ظاهرة انحسار الحجاب
                                                                                    خادمة المنبر الحسيني / سكينة الرامزي

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الرسول المسدد المصطفى الأمجد المحمود الأحمد ابا القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم

 من جملة الظواهر التي نراها مجافية للدين ظاهرة انحسار الحجاب في المجتمعات الإسلامية ، وخطورة هذه الظاهرة( لا تكمن في كونها تمثّل مساراً انحدارياً للحجاب في مجتمعاتنا ما يشكّل ابتعاداً وانحرافاً سلوكياً عن تعاليم الدين، ) وإنّما في أنّها أصبحت تعطى تبريراً "شرعياً" عند شريحة من الناس الذين يرون أنّ الحجاب هو مجرد
١-عادة من العادات  
٢-ولا دليلا شرعياً على وجوبه،
٣-و ذلك يمثل - بنظرهم – اعتداءً على حرية الأشخاص.

وموقفنا من هذه الظاهرة نبينه من خلال المحاور التالية: 
 
1- المنهج الصحيح في مقاربة قضية الحجاب
 
   لا يزال بعض الناس يسألون: لماذا الحجاب؟ ولماذا هو فرض على المرأة فقط؟ ألاّ يمثل الحجاب اضطهاداً للمرأة، وتقييداً لحريتها؟
 
 في المقابل فإنّ لك أن تسأل بطريقة أخرى: لِمَ علينا أن نقبل بالسفور؟
ألا يمثل ذلك امتهاناً لكرامة المرأة؟
 فأي السؤالين أحق بالإجابة عليه؟ أهو سؤال الحجاب أم سؤال السفور؟
أعتقد أنّ ثمة معياراً مقبولاً يحدد وجهة البحث والسؤال الأولى بالإجابة عليه، والمعيار هو : معرفة مصلحة المجتمع العامة، فهل مصلحة المجتمع بذكوره وإناثه في أن تكون المرأة متسترة أو سافرة؟
وبعبارة أخرى: هل الأصل هو في السفور أو في الحجاب؟
 
ولا أعتقد أنّ من الصحيح أن نكتفي بالإجابة التعبدية على هذا السؤال والتي تقول: إنّ الله هو خالق العباد والأعلم بما يصلحهم وما يفسدهم، وحيث إنّه قد أمر بالجحاب فعلينا ومن موقع إيماننا بالله أن نلتزم الحجاب، لأنّ الله ما كان ليأمر بالحجاب إلاّ لأنّ لنا فيه مصلحة وما كان ليحرم السفور إلاّ لأنّ فيه مفسدة.
 
   إننا لا نكتفي بهذه الإجابة رغم قناعتنا بصحتها، لأنّنا
١- نريد تقديم إجابة مقنعة حتى لمن لا يؤمن بالرسالة والإسلام،
٢- نريد للمرأة المؤمنة أن تمتلك رؤية واضحة حول فلسفة الحجاب وأهميته وضرورته، لتلتزم الحجاب من موقع القناعة لا من موقع التسليم الأعمى، وهذا المنهج في التعرف على فلسفة الأحكام الشرعيّة هو منهج قرآني أصيل،
فالقرآن الكريم لم يقدم لنا الأحكام والتشريعات بشكل تعبدي مقفل، وإنّما قدمها بإسلوب التعليل والتوجيه بما في ذلك الأحكام المتصلة بالحجاب، قال تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين..} (الأحزاب 59)
 
الحجاب في إطار الرؤية الاسلامية العامة
 
   وعلينا أن ننبّه هنا إلى أنّ القضايا الإسلامية الإشكاليّة، ومنها القضايا المتصلة بالمرأة كقضيّة الحجاب (لا يصح أن تدرس بشكل تجزيئي) لأنّ  دراستها كذلك لن تقدم صورة كاملة عن حقيقة التصور الإسلامي إزاء القضية بل ربما نخرج بنتائج مغايرة لحقيقة التعاليم الإسلامية،

وإنّما يفترض أن تدرس – قضية الحجاب - في إطار الرؤية الإسلامية العامة حول المرأة ،،،،،،،،ودورها في الحياة ،،،،،والتي هي بدورها جزء من الصورة الاسلامية العامة،
والجزء الآخر المكمل للصورة هو وظيفة الانسان – رجلاً أو امرأة – في نظام الخلق ودوره في الحياة،
ومن هنا فإننا نحكم بخطأ الذين يدرسون مسألة ميراث المرأة – مثلاً- ونقصانه عن ميراث الرجل بعيداً عن النظام الاقتصادي العام ومسؤوليات الرجل.
 
   وهكذا الحال في قضية الستر، فإنّ المنهج الصحيح في دراستها هو وضعها في إطار الرؤية الإسلامية العامة حول المرأة ودورها في الحياة جنباً الى جنب مع دور الرجل،
هذه الرؤية القائمة على مبدأ تكريم المرأة كإنسان، ومن مقتضيات التكريم أن يتمّ التعامل معها على أساس أنّها( إنسان وليست مجرد أنثى ) أو (مجرد جسد فحسب)،
وهو يقتضي أن تخرج إلى المجتمع أيضاً كأنسان لا كأنثى تظهر مفاتنها أمام الجمهور
السؤال: أين كرامة المرأة وحرمتها إزاء ما يتعامل به الإعلام الدعائي معها؟ ألم تتحول المرأة إلى سلعة للدعاية إلى حد امتهانها والاتجار بجسدها؟
 
الحجاب والحريّة الشخصيّة
 س: هل الحجاب مسألةُ شخصية ويدخل في إطار ممارسة المرأة لحريتها الشخصية،؟؟
 
أولاً: إنّ الحرية لا تمارس في الهواء الطلق أو في الفراغ، وإنما تُمَارَسُ في فضاء اجتماعي معين له (منظومة قيمية وأخلاقية، )
ولذا لا بد أن تُمَارِسَ المرأة - كما الرجل - حريتها في إطار هذا المناخ الاجتماعي، أما الحرية المطلقة والمجردة عن كل قيد، فهذه أقرب إلى التفلت منها إلى مفهوم الحرية.
 
ثانياً: إنّ من يريد محاكمة الإسلام في أي حكم من أحكامه، ومنها موضوع الحجاب الذي يُدَعَّى أنّه يقيد حرية المرأة، فليس من حقه أن يحاكمه انطلاقا من قِيَم حضارة أخرى وفقاً لمبادئها وقوانينها، وإنما يحاكم على أساس :
١- ما يتبناه هو من مبادىء،
٢- و في ضوء المبادىء الإنسانية والعقلائية العامة،
[٢/‏٤ ١٢:٤٦ ص] Sakina Alramzi: المشكلة أن يُحاكم الإسلام بسبب عدم انسجامه مع مبادىء الحضارة الغربية  بينما لا تُحاكم تلك الحضارة  -  وفق قيمنا الحضارية!
 
ثالثاً: إنّ حجاب المرأة - له تأثيره الإجتماعي وارتباطه الجلي بالجنس الآخر وهو الذكر،     كذلك السفور
لأننّا نزعم أنّ للسفور تأثيراً سلبياً على الرجل وعلى المجتمع عامة، ولهذا لا يصح مقاربة المسألة من زاوية الحريات الشخصية فحسب، بل لا بدّ من مقاربتها من زاوية تأثيرها على المجتمع.
 
ولنا هنا أن نسأل الذين يربطون المسألة بالحرية الشخصية للمرأة بعيداً عن تأثير ذلك على المجتمع: لو أنّ المرأة أرادت الخروج عارية – مثلاً- فهل يمكن القبول بذلك بحجة أنّها حرّة في جسدها ولها أن تفعل به ما تشاء؟! لماذا؟

١- لأنّ ذلك يخدش الحياء العام    
٢- ويخلق في المجتمع حالة من الاستنفار الجنسي والغرائزي، وإذا كان هناك رفض شبه عام عند معظم الناس ولو كانوا غير مسلمين للتعري التام، فهذا يعني أنَّ مبدأ التستر صحيح
، وأنّ المسألة ليست مسألة حرية شخصية، لأن المرأة لا تمارس حريتها في فضاء معزول عن الناس.وأن تسيء الى الأمن الأخلاقي للمجتمع،
 
2- فلسفة الحجاب 
 مسألة الحجاب لا تقارب من زاوية الحرية الشخصية لماذا؟
لأنّ لها بُعْداً اجتماعياً، باعتبار أنّ السفور- وكذا الحجاب- ليس عملاً تمارسه المرأة داخل بيتها لِتُتْرَكَ وشأنَها، وإنّما تخرج بذلك إلى الشارع لتواجه الناس جميعاً.
 
أولاً: الحجاب وتحقيق الأمن الأخلاقي
 
 الإسلام  اهتم اهتماماً بالغاً بحماية الاستقرار الأخلاقي للمجتمعات حتى لا يقع الناس في الفوضى الجنسية،
وغير خافٍ أيضاً أنّ لدى الإنسان غريزةً جنسية وهي بحاجة إلى إشباع، وقد كان الإسلام
١- واقعياً في تشريعاته
٢- اعترف بهذه الغريزة وأمّن لها متطلباتها
٣- ولم يدع إلى قمعها كما فعلت بعض المدارس الأخرى،
٤- أرادالاسلام لهذه الغريزة أن تتحرك بالشكل الذي لا يسيء إلى الإنسان، ذكراً كان أو أثنى،
ومن هنا كان المحلّ الطبيعي لإشباع هذه الغريزة هو الزواج، فحرّم ١-الزنا ٢- اللواط ٣-والشذوذ الجنسي، لأنه يمثل انحرافاً عن الخط السوي.
 
 ومنعاً للفوضى الجنسية  فقد اتخذ المشرع الاسلامي جملةً من الإجراءات التي تساهم في تحقيق العفة والاستقرار الأخلاقي،
الغريزة الجنسية لها :
١- عناصر إثارة
٢- ومفاتيح معينة، ولهذا فإذا أُريد ضبط الغريزة حتى لا يحصل التفلت الأخلاقي وتشيع الفاحشة والدعارة وينتشر الزنا كان لا بدّ من سدّ الأبواب التي تؤدي إلى الفاحشة والتفلت الغريزي،
ومن هذه الأبواب مثلاً- ١- باب الخلوة بين المرأة والرجل الأجنبيين، ٢-  باب السفور.
 
جاء الحجاب كوسيلة من وسائل
 ١- الضبط الأخلاقي 
 ٢- وتنظيم حركة الغريزة، فمغزى الأمر بالحجاب هو أن محل تحريك الغريزة ومجالها الرحب هو الحياة الزوجية،التي لا حدود للعلاقة الخاصة بينهما،  أما المجتمع فله ضوابطه ولا بدّ من حمايته من التفلت الأخلاقي.
 
   فالحجاب إذن يهدف إلى حماية الأمن الأخلاقي  للمجتمع الذي تخرقه المرأة غير المحتشمة في ارتدائها للباس الفاضح والمثير ولو كان ذلك عن غير قصد منها، فإنّ هذه الأمور لا يُتعامل فيها على أساس النوايا الحسنة،، وقد ورد  في الحديث عن السيد المسيح(ع): " إنّ موسى نبي الله(ع) أمركم أن لا تزنوا وأنا آمركم أن لا  تحدثوا أنفسكم بالزنا فضلا عن أن تزنوا" .
 
١- لأن أسباب إثارة مرفوضة
٢- التفنن في إبراز مفاتن المرأة والذي سيخلق لديه حالة من الطوارئ الغريزية، وربما يدفعه إلى التحرش بالمرأة. مرفوضة
 
الحجاب يُساهم في تعزيز المناعة الأخلاقية، باعتبار أنّ السفور ولا سيما الفاضح منه هو مدخل إلى التفلت الأخلاقي. 
 
هل المشكلة تكمن في التشريع؟؟  الإجابة: لا بل في سوء تطبيقه،
٢-وفي الابتعاد عن روحه ومقاصده،
٣- وفي عدم تثقيف الأمة عليه،
فإنّ مشكلتنا في كثير من الأحيان أنّ الحجاب صار موضةً أو عادةً أو زياً اجتماعياً ولم تَعُدِ المرأةُ المحجبة تعي مغزى الحجاب وهدفه. 

إنّ الهدف الحقيقي من تشريع الحجاب هو (حماية عفة المرأة والرجل )
على السواء، فالمرأة المحجبة التي تمارس عكس ما يدعوها الحجاب إليه من عفة وطهارة هي في الروح سافرة وإن كانت في الظاهر محجبة، بل هي في الواقع أسوأ حالاً من السافرة، لإنّها تسيء بأفعالها الشنيعة إلى الحجاب والمحجبات.

ثانيا:الحجاب وحفظ كرامة المرأة:
 
   إنّ مشكلة السفور أنّه مهّدَ لفكرة التعامل مع المرأة باعتبارها
(جسداً وعنصر إثارة)، والعملُ على تقديم المرأة على هذا الأساس
(هو أكبر امتهان لها وانتهاك لكرامتها وإنسانيتها)،
وهكذا شكَّل السفور المدخل إلى تحويل المرأة إلى وسيلة للاتجار والإغراء، فغدت جاذبية المرأة في مفاتن جسدها لا بمقدار وعيها وقدرتها على العطاء.
 
 وهذا ما نلاحظه في مسار السفور التاريخي فإنّه قد انحدر يوماً بعد يوم، إلى أن وصل الأمر إلى الدرك الأسفل وما يشبه التعري، ولم يقف عند حد معين،
[٢/‏٤ ١٢:٤٦ ص] Sakina Alramzi: بينما يمثل الحجاب عنواناً لحماية المرأة وحفظ إنسانيتها، إنّ المحجبة يُعَلِّمُها الحجابُ أنْ تقول للناس، للرجال والنساء وللمجتمع كله: أنا إنسان، وتعاملوا معي كإنسانة، لا كعنصر إثارة،
وليس بلحاظ ما امتلكه من مفاتن.
 
   إننا عندما نقرأ ونسمع عن الإحصاءات بشأن ما يبذل من أموال على عمليات تجميل المرأة، وما يصرف على زينتها ووسائل تبرجها التي تخرج بها إلى الناس نشعر أننا أمام ظاهرة غير طبيعية، ظاهرة مخيفة تعمل على تسليع المرأة وتفريغها من كل معاني (الكرامة والانسانية)، صحيح أنّ الإسلام يدعو المرأة- كما الرجل- إلى الاهتمام بجمالها وزينتها، لكن زينتها وتبرجها لا يجوز أن يتحول إلى هدف أصيل لا يرقى إليه في درجة الاهتمام هدف آخر، وإلاّ فأين الجمال الأخلاقي وجمال الروح؟ 
 
   إننا بحاجة إلى تصحيح نظرتنا إلى المرأة ودورها في الحياة،
أننا أمام شعاراتٍ تُمَجِّدُ المرأةَ وتنادي بحريتها ولكنّها تبقى شعارات فارغة من المضمون، والحقيقة أنّ ما يجري هو سوق نخاسة جديد تباع فيه النساء بطريقة جديدة،
بل نحن أمام عملية وأدٍ للمرأة قد لا تقل بشاعة عن عمليات الوأد التي كانت تمارس في الجاهلية، لكنْ مع فارق،
١- الوأد الجاهلي كانت تدفن فيه المرأة ويوضع بذلك حدٌ لحياتها،
٢- الوأد المعاصر فتدفن فيه كرامة المرأة مع بقائها هي على قيد الحياة! 
.
 ثالثا: الحجاب وحماية المرأة 
 إذن الحجاب يحميها من التحرش، ومن كل نظرات السوء التي تلاحقها، وربما انجر الأمر إلى الاغتصاب الذي لا تزال تتعرض له المرأة، حتى في الدول التي تعتبر نفسها متحضرة، كما تؤكد ذلك الإحصاءات، لأنّ الرجل إذا رأى المرأة ملتزمة بحجابها فسوف لن يكون لديه الجرأة على التحرش بها، مثل جرأته على التحرش الجنسي بالمرأة السافرة، فكأنّ السفور هو داعية للتحرش، وهذا ما تؤكده الوقائع والإحصاءات.
 
في ضوء ما تقدم يتضح أنّ السؤال لا ينبغي أن يتوجه إلى الستر والحجاب، بل إلى السفور والتعري.
   
رابعا: الحجاب وحماية الحياة الزوجية والأسرية:
   إنّ من يتأمل في الأسباب الكامنة وراء فشل الكثير من العلاقات الزوجية، أو وراء المشاكل الأسرية الآخذة بالتزايد، الأمر الذي يرفع ويزيد من حالات الطلاق إلى مستوى غير معهود سيكتشف أنّ لذلك أسباباً عديدة ويأتي على رأسها: انعدام الثقة بين الزوجين، وعدم توفر الانسجام الجنسي بينهما،
وإهمال الرجل لواجباته تجاه زوجته وتطلعه إلى النساء الأخريات، الأمر الذي ينعكس تقصيراً اتجاه زوجته، ومن الواضح أنّ أجواء السفور المشحونة بعناصر الإثارة ستزيد من تعلّق الرجل بالمرأة الأخرى التي قد تستهويه وتجذبه أكثر مما تستهويه زوجته، وهو ما يؤثر سلباً على علاقته بزوجته . 
 
 والحجاب يُخَفِّفَ من أجواء الإثارة تلك والتي تعتبر مفتاح الدخول في الحرام وسبباً في تطلع الرجل إلى غير زوجته، ومن هنا اهتم الإسلام واعتنى حتى بالنظرة فدعا إلى تنزيهه عن الخيانة، ففي الدعاء المأثور: "اللهم طهّر قلبي من النفاق.. وعيني من الخيانة" ، وفي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): "النظرة سهم من سهام إبليس مسموم فكم من نظرة أورثت حسرة" الكافي ج5 ، وتتحدّث روايات أنّ لكلِّ جارحةٍ حظاً من الزنا "فزنا العينين النظر .
 
 المرأة قد تقع فريسة بعض الرجال، أمّا الرجل فباعتبار أنّه أكثر استجابة للإثارة عندما يرى هذه المشاهد أمامه، وهذا ما يشدُّه إلى غير زوجته، وهذا كله سوف ينعكس سلباً على الحياة الزوجية ويؤثر على استقرار الأسرة أيضاً.      
 
 في ضوء ما تقدم، قد يكون من المناسب أن نطلق السؤال في وجه معارضي الحجاب لنقول لهم: لماذا نضع قضية ستر المرأة وحجابها تحت السؤال؟ لماذا لا نضع قضية التعري أو عدم الاحتشام تحت السؤال؟
 
3- معارضو الحجاب ومبرراتهم: 
ماهي المبررات التي يسوقها الرافضون للحجاب ويتعللون بها لاثبات وجهة نظرهم؟
1-  أنّ الحجاب يمثل اضطهاداً للمرأة وقمعاً لحريتها وحبساً لها.
2- وربما يطرح أنّه لا وجود لنصٍّ شرعي من القرآن الكريم يُلزِمُ المرأة المسلمة بارتداء الحجاب .
3- إنّ الحجاب فيه تعدٍ على حرية المرأة الشخصيّة، فلماذا تلزمونها بأمر لا تريده؟ فليترك الأمر إلى اختيارها،سواء اختارت  الحجاب أو شاءت السفور فلها الحرية في ذلك٠
.أولاً :الحجاب وقمع المرأة 
  في الوقت الذي نقدّم فيه الحجاب على أنّه رمز كرامة المرأة وعفتها
هناك نظرة مغايرة ولا سيما في بلاد الغرب ترى في الحجاب علامة بؤس عند المرأة المسلمة ومؤشراً على قمعها،
بعبارة أخرى: الحجاب سجن للمرأة وحبس لجمالها وطاقاتها..
 
   وعلينا أن نؤكِّد لهؤلاء بالفعل لا بالقول أنّ المرأة الملتزمة بحجابها لا تعيش البؤس
١-  تعيش الفرح الروحي من خلال التزامها بعفتها،الحجاب لا يعيق المرأة عن العمل والحركة الفاعلة في شتى مجالات النشاط الإنساني،
فلقد انطلقت المرأة المسلمة في تاريخنا إلى جانب رسول الله صلى الله عليه واله وسلمفي حروبه ومواقفه
[٢/‏٤ ١٢:٤٧ ص] Sakina Alramzi: ومع الامام علي عليه السلامفي مسيرته الجهادية، ومع الامامالحسين عليه السلامفي نهضته وكان لها الدور الكبير في تحريك الجمهور للثورة على الطاغية يزيد،

وفي تاريخنا القريب وجدنا أنّ حجاب المرأة الإيرانية لم يمنعها من أن تقود مع الرجال الثورة وتساهم في إسقاط أكبر دكتاتوريات القرن العشرين،
(الشاه )وهكذا توالى حضور المرأة المسلمة في شتى الساحات الإسلامية في لبنان والعراق وغيرها من الساحات .
 
 مشكلة الكثيرين أنهم ألفوا السفور، فأنكروا الحجاب.
هذا ولربما كان السبب في النظرة السلبية للحجاب واعتباره رمزاً لقمع المرأة هو أحد أمرين (ولا دخل للنص الشرعي في ذلك إطلاقاً، والممارسة التاريخية للمسلمات تشهد أن الحجاب لم يشكل عائقاً أمام قيام المرأة بواجبها الاجتماعي والسياسي):
1- العادات والتقاليد التي لا تزال تفرض نفسها على المرأة المحجبة، وإنّ جرائم الشرف التي لا تزال تتعرّض لها المرأة هي خير مثال على استمرارية تحكّم العادات الجاهلية في مجتمعاتنا.
2- بعض الاجتهادات حبس المرأة من قبيل الفتوى بعد جواز خروج المرأة من بيتها إلا بإذن زوجها،
أو اعتبار المرأة عورة يجب سترها، ولا سيّما عند القائلين بوجوب الوجه والكفين. 
 
 هل المرأة عورة؟
وربما يكون الفهم القاصر لبعض النصوص سبباً ثالثاً وراء تلك النظرة السلبية نحو المرأة وحجابها، وذلك من قبيل النص القائل: "إنّ المرأة عورة" ، وهو حديث لو صح فإنّه لا يهدف إلى ذمّ المرأة أو تحقير جسدها، لأنّ جمال المرأة لا ينكره أحد، وقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام
"المرأة ريحانة" ، فاستخدام لفظ العورة لا يراد منه التحقير والذم، أو الإيحاء بأنّ جسدها مستقبح، وتوضيح ذلك:
 أنّ العورة في الأصل مأخوذة لغة من العوار وهو "خرقُ أو شقٌ يكون في الثوب" ، والعورة: "كل خلل يُتخوَّف منه ثغر أو حرب" ، "وكأنّ العورة شيء ينبغي مراقبته لخلوّه، وعلى ذلك فُسِّرَ قوله تعالى: {يقولون بيوتنا عورة} (الأحزاب: 13)، وعليه فإنّ جسد المرأة هو عورة بهذا المعنى، لأنّه يتخوف في حال كشفه وإبرازه عليها، بأن تتعرض للأذى، فهو يُستر لتحمى هي، كما تسُتر البيوت لأجل حمايتها وتحصينها من اللصوص، وإذا كان لفظ العورة يختزن في الفهم العرفي والدلالة اللغوية معنى آخر وهو
"ما يُستحيى منه"  فهذا المعنى أيضاً مقبول، ويكون اطلاقه في الأحاديث على المرأة مفهوماً أيضا، باعتبار أنّ ذلك يهدف إلى تشجيع المرأة على الستر والحجاب، والعفة والحياء ٠
 
 ثانيا:  دليل وجوب الحجاب
يمكننا الاستدلال على وجوب الستر بدليلين أساسيين، هما الكتاب والسنة.
   أولاً: من القرآن :
 اشتمل القرآن الكريم على عدة آيات تدلّ على وجوب الحجاب نذكر بعضها:
 
1- قال تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أبنائهن...ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن..} (النور 31).
وموضع الاستدلال في هذه الآية هو فقرتان :
الأولى: قوله: { ولا يبدين زينتهن إلاّ ما ظهر منها}، فإنّ في تفسيرالزينة التي نهى الله عن إبدائها رأيين:
 
الأول: أن يُراد بها الزينة الطبيعيّة، أي مواضع الزينة، فتكون دلالة الآية على لزوم ستر مفاتن الجسد واضحة ومُبَاشِرَة، وهذا التفسير توحي به بعض الروايات وهي رواية الفضيل، قال سألت أبا عبد الله(ع) عن الذراعين من المرأة، أهما من الزينة التي قال الله تبارك وتعالى {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} ؟ قال: نعم،  وما دون الخمار من الزينة، وما دون السوارين" ، وقوله (ع): "ما دون الخمار"، يعني ما يستره الخمار من الرأس والرقبة، وقوله: "ما دون السوارين" أي ما دون الكفين، فتشمل الساعدين والعضدين .
 
 الثاني: أن يُراد بالزينة معناها الظاهر، وهي الزينة الخارجيّة المعروفة التي تضعها النسوة على أجسادهن، والنهي عن إظهار الزينة ملازم للنهي عن إظهار مواضعها، لأنّ  كشف الزينة متلازم مع كشف مواضعها وبعض الروايات الواردة عن الأئمة(ع) تشهد للتفسير الثاني .
 
[٢/‏٤ ١٢:٤٧ ص] Sakina Alramzi: الثانية: قوله تعالى: { وليضربن بخمرهن على جيوبهن}، فإنّ الخُمُرَ جمع خمار، وهي أغطية الرأس، والجيوب هي فتحة القميص، والمراد بها الصدر من باب إطلاق اسم الحال على المحل، ويلاحظ أنّ الآية لم تأمر النساء بارتداء الخمار، وإنّما أمرت بإلقائه على الجيوب، ما يعني أنّها تفرض الخمار موجوداً ولكنّها تأمر بارتدائه بكيفية خاصة، وهي ستر الجيوب به، وهذا المعنى يتضح جلياً من خلال الرجوع إلى عادة النساء إبان نزول الآية، مما ذكرته المصادر التاريخية، حيث قيل: إن جيوب النساء في الجاهلية كانت واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها وكنّ يسدلن الخُمُرَ من ورائهن فتبقى مكشوفة، فأُمِرْنَ أن يَسْدُلْنَها من قدامهن حتى يغطينها ، وهذا ما يستفاد من بعض روايات أهل البيت (ع)، فقد جاء في الكافي في سبب نزول الآية رواية معتبرة عن الإمام الباقر (ع)، قال: "استقبل شاب من الأنصار إمرأة بالمدينة وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن، فنظر إليها وهي مقبلة" 
 
2- إنّ المناخ القرآني العام يوحي بوجوب الستر والعفة ، وذلك يتضح من خلال التأمل في جملة من الآيات القرآنية، من قبيل قوله تعالى:
{فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}،(الأحزاب: 32)، فإن المرأة إذا كانت مدعوّةً في أسلوب تخاطبها مع الرجال الأجانب إلى التزام الكلام المتزن والبعيد عن الإغراء، فكيف يُسمح لها بكشف مفاتنها التي هي أشد وقعاً في إغراء الرجال وإثارتهن من مجرد الكلمات؟! .
 
ونحوه في الدلالة قوله تعالى: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن}، (النور: 31)، فإذا كان ضرب الأرجل بالأرض بهدف إلفات نظر الرجال وإثارتهم محرماً، فيستفاد من ذلك أنّ كل ما يحقق الإثارة هو أمر محرّم ولا يرضى به المشرع الإسلامي. 
 
ونحوه أيضاً قوله تعالى: {والقواعد من النساء اللائي لا يرجون نكاحاً ليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة}،(النور: 60)، فهذه الآية رخّصت في التخفّف من اللباس للنساء اللاتي لا يرجون نكاحاً، وهنّ اللواتي بلغن سناً لا يرغب بهن الرجال ولا يرغبن بالرجال، وهذا معناه أنّ النساء اللاتي لا زِلْنَ في سنٍ يَرْغَبُ بهن الرجال ويرغبن في الرجال فلا يجوز لهن التكشف أمام الرجال الأجانب، إلا ما خرج بالدليل من الوجه والكفين وظاهر القدمين .
 
  ثانياً: من السنة: 
    القرآن الكريم - كان فيه شيء من الإجمال في أمر الحجاب وتفاصيل الستر، ولكن السنة الشريفة توضّح ذلك بما لا لبس فيه، ولا يخفى أنّ الروايات الواردة تدلُّ بوضوح على أنّ وجوب الستر هو أمرٌ مفروغ منه، وإنّما محط النظر- في تلك الروايات - هو في التفاصيل، كتغطية الوجه وعدمها،
 
  ظهرت في الآونة الأخيرة جماعة فكريّة أطلقت على نفسها اسم "القرآنيون"، وقد اعتبر هؤلاء أنّ القرآن الكريم هو المرجعية الوحيدة، ورفضوا الرجوع إلى السنة، ولذا فإنّهم يطلبون لتبني أي حكم أو مفهوم شرعي آيةً من كتاب الله، فإذا لم يوجد على هذا الأمر أو ذاك آيةٌ من الكتاب، فإنّهم لا يؤمنون به، والوجه في خطأ هذا المنهج ، أنّ القرآن الكريم لم يتكفل ببيان كل أحكام الشريعة وتفاصيلها، وإنّما طرح - في الأعم الأغلب - الكليّات، وأرجع في التفاصيل إلى النبي(ص)، قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم} (النحل 44). وقال في آية أخرى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ( الحشر7).
 
 وأنا أعتقد أنّ المنهج المشار إليه الذي يطلب آيةً قرآنيةً على كل حكم من الأحكام، كشرطٍ للإيمان به، هو منهجٌ لا يفتقر إلى الحجَّة القرآنية فحسب، بل إنّه مخالفٌ ومنافٍ للقرآن نفسه، باعتبار أنّ مرجعية السنة وحجيتها ثابتة بالقرآن الكريم، من خلال الآيات المتقدمة وغيرها من الآيات التي نصّت على ضرورة الأخذ بما قاله النبي (ص) أو فَعَلَه والانتهاء عما نهى عنه أو تركه، فأية محاولة للتفلت من السنة هي في حقيقة الأمر محاولة للتفلت من القرآن نفسه، وسوف نذكر في بعض الوقفات الآتية أنّ هذا الأمر - وهو الاكتفاء بالقرآن دون السنة – هو من أشكال هجر القرآن الكريم.
 
أجل ثمة كلام مقبول وصحيح في المقام، وهو أنّ مرجعية السُّنة لا ترقى إلى مستوى مرجعية القرآن، لأنّ السنة - في مجملها - شارحةٌ للقرآن، كما أنّها لم تَسْلَمْ من الدس والتزوير، بخلاف القرآن الكريم، فإنّه مصونٌ من كل أشكال التحريف والتزوير، ولهذا أصبح - أي القرآن - معياراً أساسياً لتقييم السنة ومعرفةِ صحيحها من ضعيفها وغثّها من سمينها.
 
روايات الحجاب 
 
وأما الروايات الدالة على وجوب الستر والحجاب، فهي كثيرة ومستفيضة، وبعضها يدلُّ على هذا الحكم بالصراحة، وبعضها بالملازمة، ولا شكَّ في حصول الوثوق بصدور مضمون هذه الأخبار عن النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع)، فمن هذه الروايات: صحيحة الفضيل المتقدمة، ومنها: صحيحة مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفر وسئل عما تظهره المرأة من زينتها ؟ قال : "الوجه والكفين" .
 
4- ظاهرة السفور : الأسباب والعلاج
 
[٢/‏٤ ١٢:٤٨ ص] Sakina Alramzi:   غير خافٍ أنّ السفور يزداد يوماً بعد يوم، حتى صرنا نشهد في بعض المجتمعات صسفوراً فاضحاً وصل إلى حدِّ التهتك، وعَرْض المفاتن بطريقة مسفَّة تجاوزت كل الآداب والقيم والتصورات.
 
   وأخطر ما في الأمر أنَّ هذا السفور قد تحول إلى ممارسة تستند إلى خلفية ثقافية ترى أنّ ذلك حق من حقوق المرأة،
وأخطر من ذلك أنّ السفور غدا أمراً مألوفاً نتعايش معه دون أن نشعر بأنّه يُمثِّل انحداراً في الأخلاق الدينية والإنسانية،
ولا شك أنّ أسوأ مرحلة يصل إليها المنكر هي أن يغدو أمراً عادياً وطبيعياً ولا يستنفر المشاعر، ولعل هذا ما نبّه عليه النبي الأكرم (ص) فيما روي عنه: "كيف بكم إذا فسد نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟! فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟! قال: نعم وشر من ذلك! كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟!  قيل: يا رسول الله ويكون ذلك؟! قال: نعم وشر من ذلك! كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟!" .
 
في الأسباب:
 
   لا شك أنّ للسفور أسباباً مختلفة، ومن الطبيعي أنّ علينا أن نتعرفّ على هذه الأسباب  في سعينا نحو محاصرة ظاهرة السفور، ومن هذه الأسباب:
 
1- التأثر بالآخر، حيث إنّ السفور هو الظاهرة المنتشرة في العالم، وكما غزتنا الكثير من العادات والتقاليد الوافدة، فإنّ السفور أيضاً غزا مجتمعاتنا، وقد انطلقت منذ أمدٍ بعيد الدعواتُ إلى تحرير المرأة، وافترض البعض أنّ تحريرها يكون بتحررها من الحجاب، وكأنّ الحجاب عائقٌ أمام حرية المرأة وانطلاقها أو قيامها بدورها في الحياة، وهذا خطأ فادح بكل تأكيد،
فالحرية تكون من داخل النفوس، ولم تكن الحرية ولن تكون بشكل اللباس،
إنّ المشكلة هي في عقدة التغرّب وعقدة الانبهار والانسحاق أمام الآخر، الذي أعطى المرأة حريتها بلا شك، لكنه عمل من جهة أخرى على تسليع المرأة وتحويلها إلى مجرد عنصر للإثارة.
 
2- الضعف الثقافي والروحي والتربوي في موضوع الحجاب، فنحن بحاجة إلى تعزيز ثقافة الحجاب والستر، وليس صحيحاً أن نلزم بناتنا بارتداء الحجاب دون أن
١- نشرح لهنَّ معنى الحجاب،
٢- ودون أن نقنعهنّ بأهمية الحجاب وأنّه يشكَّل ضرورة لهنَّ ويساهم في حفظ كرامتهن، وذلك أمام موجات التشكيك في جدواه..
 
   إنّ هذا الضعف الثقافي والتربوي في مسألة الحجاب - مضافاً إلى اجتياح موجة السفور- كان له تأثيرٌ بالغٌ على مجتمعاتنا، فصار البعض من المؤمنين رجالاً ونساء
١- لا يجدُ غضاضةً في سفور ابنته أو زوجته ولا يرى في ذلك ما ينتقص من إيمانه،
٢- ربما شجع بعض الناس ابنته على ترك الحجاب،
٣- أصبح قبول المرأة في بعض المهام أو الوظائف موقوفاً على شكلها وجمالها وسفورها حتى لدى بعض المؤسسات الإسلاميّة.
 
المرأة هي الضحية:
 
   إنّ هذه الثقافة التي روّجت للسفور كان لها نتائج سلبية وكانت المرأة هي الضحيّة الأولى لذلك، حيث قد :
تمّ تسليع المرأة وتحويلها إلى مجرد عنصر للإثارة والمتاجرة بجسدها،
وإلاّ كيف نُفسِّرُ ظاهرة ملكات الجمال المنتشرة في كل بلدان العالم "المتحضر". إنّ هذه الظاهرة إذا ما وزناها بميزان العقل لوجدنا أنّها تُمثِّل أكبر إهانةٍ للمرأة وإساءةٍ إلى كرامتها، لأنّها تعني أنّ قيمة المرأة هي في جسدها ومفاتنها، لا في أخلاقها ولا لعلمها ولا لكفائتها.
 
   من هنا فإنّ دعوة الإسلام إلى الحجاب هي  قبل كل شيء  دعوة إلى حفظ كرامة المرأة واحترام إنساتيتها. إن الحجاب ليس سجناً ولا حبساً للمرأة، ولا يرمي إلى عزلها عن الحياة وعن القيام بواجبها الاجتماعي والسياسي والتربوي... إنّما يُرادُ تأكيدُ إنسانيتها من خلال الحجاب، ليتعامل معها في المجتمع باعتبارها إنساناً،
بحيث تخرج إلى خارج البيت كإنسان، وتحترم كإنسان، وتنال الوظيفة بجدراتها لا بمفاتن الأنثى لديها، ولتحظى بمكانتها من خلال عقلها وكفائتها ودورها الفاعل لا بما تملكه من عناصر الإغراء في جسدها ولا بمفاتنها التي تبرز بها إلى الشارع أو السوق، أو تطلُّ بها من خلال شاشات التلفزة.
 
ما هو واجبنا؟   
 
 وفي ضوء هذا، فإنّي أعتقد أنّ
١- من واجبنا الديني والأخلاقي الدفاع عن الحجاب باعتباره رمزاً لكرامة المرأة،
٢- أن ننتصر للحجاب بالكلمة وبالقصة وبالموقف بوسائل الإعلام،
٣- وأن نشجع المحجبات ونعزز من ثقتهن بأنفسهن وحجابهن كي لا يشعرن أنّ الحجاب بالنسبة إليهن هو عبء أو تكليف يمتثلنه دون وعي أو رغماً عن إرادتهن،
٤- وأن نكثِّف من الندوات حول فلسفة الحجاب وهدفه،
٥- وأن نكرم المحجبة، وأن نعوّد بناتنا على الحجاب منذ الصغر، وأن نعتبر أن الحجاب هو قضية إسلامية، وأنّ حماية هذا الرمز وهذا الواجب الشرعي هو من مسؤلياتنا.
 
  كيف نواجه السفور؟
 
بالإضافة إلى الجهود الفكرية التي تعمل على بيان فلسفة الحجاب وأهميته، فإنّ من الضروري في مواجهة السفور أن نركز على أمرين أساسيين:
 
1- تعزيز قيم الحياء والعفة والغيرة.

 العفة: ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم:
[٢/‏٤ ١٢:٤٨ ص] Sakina Alramzi: "خير نسائكم العفيفة" وسائل الشيعة ج20 ص30،
وعنه أيضاً: "من سعادة المرء الزوجة الصالحة"
خوعنه (ص): "فعليكم بذات الدين" .
 
  الحياء: ففي الحديث عن الصادق عليه السلام: "لا إيمان لمن لا حياء له" ، وفي حديث آخر "الحياء والإيمان مقرونان في قرن فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه" .
 
2- تفعيل مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بأن نمتدح الحجاب ونعلن رفضنا للسفور، لكن كيف وبأي أسلوب؟
 
   أعتقد أنّ الأسلوب الأجدى في زماننا هو أسلوب الرفق واللين والحكمة،
وهذا الأسلوب يفرض علينا أن نكسب صداقة الناس، ونربح قلوبهم ومحبتهم، ما يعني أنّ علينا أن لا نعتبر السافرة إمرأة ساقطة ولا نُهين كرامتها، بل علينا أن نأخذ بيدها ونحاورها ونناقشها ونبيّن لها ضرورة الحجاب وأهميته ومفاسد السفور وسلبياته.
 
  إنّ المرأة التي تلتزم بكافة أحكام الإسلام وتعاليمه سوى الحجاب هي امرأة مسلمة نرجو ونسأل الله لها أن تُتمِّمَ هذا النقص في التزامها الديني،
لكنّ هذا النقص لا يجعلها امرأة كافرة أو فاجرة أو لا أخلاق لها، وسفورها لا يبررُ التعرضَّ لشرفِها، فربَّما كانت منضبطة أخلاقياً٠
 
   وبكلمة مختصرة: لا أحد يمتلك مفاتيح الجنة، ليوزع الناس يميناً وشمالاً، ونحن ضد ثقافة التخوين أو خطاب التكفير والتنفير.
 
نلخص هذه الظاهرة  بالنقاط التالية:
 
أولاً: إنّ الحجاب ليكون إسلامياً وشرعياً فلا بدَّ أن يستر بدن المرأة ما عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين ، وأن لا يصف ما تحته، ولا يكون شفافاً، فما استجمع هذه الشرائط  فهو لباس شرعي،إذن كل لباس يحقق الستر المادي والستر المعنوي هو لباس شرعي. 
 
ثانياً: أنّ حجاب الموضة لا يُعتبر حجاباً شرعياً، لأنّه لا يستجمع شروط الحجاب الشرعي، بل ربَّما شكّل تشويهاً لصورة الحجاب في نظر الآخرين، لأنّ المرأة التي ترتدي هذا النوع من الحجاب إذا لم تحمل شيئاً من أخلاقية الفتاة المحجبة، بل كانت تصرفاتها العامة أقرب إلى عدم الانضباط والاتزان، فإنها بذلك لا تسيء إلى نفسها فحسب، بل ربما أساءت إلى صورة الحجاب نفسه،
وهذا الأمر ينسحب على المرأة المحجبة بحجاب شرعي، فإنّها إنْ لم تتخلّق بأخلاق الحجاب، فإنّها بذلك تسيء إلى عموم المحجبات، ولهذا فإنّنا نقول: إنّ الحجاب هو مسؤولية شرعية، وإذا أحسنت المرأة المحجبة وكانت على مستوى الحجاب باعتباره رمزاً للطهر والعفة، فإنّها بذلك تقوم بعمل رسالي وتقدِّم صورة طيبة عن نفسها وعن دينها وعن عموم النساء المحجبات..
 إذنّ الحجاب يخضع لقاعدة: (ثبات المبادئ ومرونة الوسائل)، والمبدأ الثابت في قضيّة الحجاب هو ما حقّقَ الستر المادي والمعنوي،
وأما الوسيلة فهي ما عدا ذلك مما يتصل بالشكل أو اللون، وهذه أمور متحركة وتتغير من زمان لآخر٠
 وفقنا الله وإياكم لكل خير