قراءة في واقع الخطاب / المنبر الحسیني نموذجا

أ. إیمان شمس الدین

تعتبر اللغة من أقدم وسائل التواصل بین البشر، بل أكثرھا تأثیرا وأخطرھا، حیث لا تعبر اللغة عن مجموعة كلمات فحسب، بل للكلام بعد فعلي في الواقع الخارجي، أي أن الألفاظ المستخدمة في اللغة لھا بعد ذھني ولھا بعد واقعي خارجي، وقد اھتم الباحثون في القرن الأخیر في البعد التداولي للغة.

"ففي القرون القلیلة الأخیرة حدث تطور معین في اللغات الغربیة یعكس التغیر في التوجھ نحو أسلوب التملك، ذلك ھو التزاید الملحوظ في استخدام الأسماء مع التناقص في استخدام الأفعال.

فالأسماء ھي الرموز المناسبة للأشیاء... بینما الأفعال ھي الرموز المناسبة للنشاط والفعل.. غیر أن استخدام صیغ التملك للتعبیر عن النشاط یتزاید باطراد، أي یتزاید استخدام الأسماء عوضا عن الأفعال. واستخدام صیغة التملك مع ربطھا بالأسماء للتعبیر عن نشاط إنساني إما ھو استخدام مغلوط للغة، فالنشاط لا یمتلك، ولكنھ یمارس."1 

لذلك نلحظ تطورا في الدلالات اللغویة وفي استخداماتھا، تابعا في كثیر من الأحیان لتبدل أنماط السلوك الاجتماعي، وتغیر الرؤیة الكونیة التي تدور حول ﷲ والإنسان والطبیعة. ھذا فضلا عن خضوع ھذه التطورات والتبدلات إلى تغیر منظومة الأفكار والقیم، وطریقة تداولھا اجتماعیا وفكریا.

وتكمن أھمیة دراسة الألسنیات، أو اللسانیات2 في معرفة الطرق الأفضل في التواصل، ومعرفة خصائص ھذه الطرق خاصة في الخطاب والذي یعتبر من أھم الوسائل التواصلیة مع الجمھور، ولأھمیة ما تحملھ اللغة من مقومات الثقافة والھویة، والتي من خلالھا یتم تحدید ھویة فرد ومجتمع وأمة، ومن خلالھا یتم صناعة الحضارات.

والخطاب أحد أھم الأشكال التي تصاغ بھا اللغة وتتشكل في بنیة مركبة ومُوجھة للمستقبِل ومؤثرة في تشكیل وعیھ وبناه الفكریة والمعرفیة.

یعرف الخطاب اصطلاحا: ھنالك الكثیر من التعریفات المُتعارف علیھا للدّلالة على الخطاب ومنھا أنّ الخطاب مَجموعةٌ مُتناسقة من الجمل، أو النصوص والأقوال، أو إنّ الخطاب ھو منھج في البحث في المواد المُشكّلة من عناصر متمیّزة ومترابطة سواء أكانت لغة أم شیئا شبیھاً باللغة، ومشتمل على أكثر من جملة أولیة، أو أيّ منطوق أو فعل كلامي یفترض وجود راوٍ ومستمع وفي نیة الراوي التأثیر على المتلقي، أو نص محكوم بوحدة كلیة واضحة یتألف من صیغ تعبیریة متوالیة تصدر عن متحدث فرد یبلغ رسالة ما3. 

ویتشكل الخطاب متأثرا بعدة عوامل أھما:

1.  البنیة الفكریة للمُرسِل، ونعني ھنا بیئتھ الثقافیة، معتقداتھ، منظومة قیمھ ومعاییره.

2.  البیئة الاجتماعیة.

3.  البیئة السیاسیة.

4.  البیئة الدینیة الحاكمة

5.  الذاتیة، ونعني بھا ذاتیة المُرْسِل.

وعادة ما یتكون الخطاب من العناصر التالیة:

1.  المُرْسِل.

2.  المُسْتَقبِل.

3.  مضمون الخطاب

4.  الھدف من الخطاب وھو ما یریده المرسل من الخطاب.(الرسالة التي یرید إرسالھا للمستقبل).

5.  الوسیلة التي من خلالھا یتم إیصال الخطاب.

وللخطاب أنواع عدیدة وما سنركز علیھ في ھذه المقالة ھو نوع من أنواع الخطاب ویسمى الخطاب الإیصالي: وھو الخِطاب الموجّھ من المُرسل إلى المُستقبل عبر رسالةٍ ما؛ الھدف منھا إیصال أفكارٍ مُعیّنةٍ

من قِبل المُرسل إلى شریحةٍ مُحدّدةٍ من النّاس، وعلى ذلك یأخذ الخِطاب الإیصاليّ أكثر من صورةٍ منھا:

الخِطاب ال ِّ سیاسيّ، والإرشاديّ، والتّوعويّ، والنھضويّ، والتّعبويّ- خطاب یھدف إلى تعبئة الرأي العام تجاه قضیّةٍ ما- والخِطاب الإعلاميّ والرّسميّ- من قِبل ال َّ دولة أو إحدى مؤسسّاتھا- والخِطاب النّفسيّ، ومما یُمیّز ھذا الخِطاب أنّھ قد تُستخدم فیھ أدواتٌ غیر اللُّ غة المنطوقة؛ كال ِّ دعایات الإعلانیّة، والمنشورات، والبرامج ال ِّ تلفزیونیّة والإذاعیّة، كما أنّ ھذا ال َّ نوع من الخِطاب عادةً ما یعود بالمنفعة على المُرسل مادیًّا أو معنویًّا أو كلیھما، ویتكون الخطاب الإیصالي من ثلاثة أقسام ھي: المرسل وھو الخطیب الذي یقرأ الخطاب على الجمھور، والمُرسل إلیھ وھي الفئة المُستھدفة من الخطاب، والمتلقّي ھو الجمھور الذي یُلقى علیھ الخطاب4.

یھدف الخطاب إلى وصف التعابیر اللغویة بشكل صریح، بالإضافة إلى أنّ الخطاب یفكك شفرة النص الخطابي عن طریق التعرّف على ما یحتویھ النص من تضمینات وافتراضات فكریّة، وتحلیل الخطاب ھو معرفة الرسائل المُضمّنة في النص الخطابي ومعرفة مقاصده وأھدافھ، ویتم تحلیل الخطاب عن طریق الاستنباط والتفكیر بشكلٍ منطقيّ حسب الظروف التي نشأ وكتب فیھا النص الخطابي وھو ما یسمى بتحلیل السیاق الذي یعتمد علیھ النص5.   

وتلعب الرؤیة الكونیة كجذور, أھمیة كبیرة في تشكیل بنیة الخطاب، وفي تحدید مدى سلامة المعارف التي تطرح عبر مختلف الخطابات، إضافة إلى دورھا في تشخیص مدى سلامة الغایات والوسائل التي تستخدم في تحقیق ھذه الغایات ومدى سلامتھا، ھذا فضلا عن دور ھذه الغایات في التأثیر على سلامة المعارف المطروحة عبر الخطاب.

لذلك وعلى ضوء الرؤیة الكونیة الإسلامیة، ولأننا ھنا معنیین بالخطاب الإسلامي فإن الخطاب الاتصالي الذي یناسب المجتمعات الإسلامیة كنظریة یمكن تعریفھ كالتالي:

" نسق یتشكل في ضوء مقولات التصور الإسلامي ـ وما ینبثق عنھ من طرح إیدیولوجیة و ابستمولوجیة ـ یحدد الكیفیة التي یمكن من خلالھا بناء وتقویم عملیات الاتصال التي تحمل الحق القادر على ترسیم سبل تحقیق غایات المجتمع الإسلامي العلیا"6. 

ولأن الخطابات تتكون من بنیة لغویة، بالتالي یكون لتلك اللغة بعد تداولي كما أسلفنا. " والتداولیة لیست علما لغویا محضا یكتفي بدراسة التراكیب اللغویة وجوانبھا الدلالیة فحسب، بل ھي دراسة التواصل اللغوي داخل الخطابات، أي دراسة الظواھر اللغویة في مجال استعمالھا7. 

والتداولیة ھي دراسة العلاقات بین المُرْسِل والمُستقبِل وعلاقتھما بسیاق الاتصال8. 

وأحد أھم منصات الاتصال بین المتكلم والمستقبل ھي الخطاب، وما یھمنا ھنا الخطاب في الفكر الإسلامي، وما یحدثھ من تأثیرات في قراءة الواقع والتأثیر في صناعة المستقبل، وفي إحداث تغییرات اجتماعیة، فلقد كان الخطاب في صدر الإسلام وسیلة إعلامیة مركزیة في التواصل بین الجمھور من جھة وقیادتھم من جھة أخرى. ومازال الخطاب الیوم خاصة في المجتمعات الإسلامیة یشكل أحد أھم وسائل التواصل المؤثرة والصانعة للوعي والباعثة للفعل بین الخطیب وجمھوره، خاصة إذا كان للخطیب وجود اجتماعي مؤثر وقوي، ومكانة متقدمة یُحدث خطابھ انزیاحا معرفیا في وعي الجمھور ویؤثر في تغییر الواقع وصناعة المستقبل. كما یمكن للخطاب أن یلعب دورا محوریا في إصلاح المفاھیم وتوجیھ الثقافة، وتجدید الرؤى وإعادة بناء رؤیة عصریة تتمسك بالأصیل ولكن تجذب الجمھور لھذا الأصیل من خلال دمج الأصیل بلغة عصریة تتناسب وتطور وعي المجتمع من جھة، وتطور دلالات التراكیب اللغویة واستعمالاتھا. بل في الحفر عمیقا في النصوص الإسلامیة وفھم دلالاتھا وتركیباتھا بشكل أعمق وأوسع یمكن من خلالھ فھم مسار ذلك الخطاب في عصره ومنھج التفاعل الإصلاحي بین الخطیب والجمھور، خاصة إذا كان للخطیب موقعیة متقدمة في المجتمع والأمة بل في ھویة الأمة وتشكیلھا وصناعة مستقبلھا وحاضرھا.

٦

أشكال الخطاب:

" ثمة أشكال عدة للخطاب، وقد صنف ألكسندر باین Alexander Bain في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أشكال الخطاب تبعا للوظیفة التي یمكن أن یضطلع بھا الخطاب حیال المستقبل إلى: الخطاب الوصفي، الخطاب القصصي، الخطاب التفسیري ( الذي یقدم تفسیرات عقلانیة للأشیاء)، الخطاب الإقناعي، الخطاب الشعري ( الذي یؤجج العواطف من خلال محتواه)، وفي سبعینیات القرن العشرین طرح جیمس كینفي James Kinneavy، في كتابھ الشھیر ( نظریة الخطاب)ـ والذي یعد من أھم أعمال التي قدمت حول نظریة الخطاب في القرن العشرین ـ تصنیفا جدیدا لأشكال الخطاب ینطلق من الھدف الذي یسعى القائم بالاتصال لتحقیقھ من وراء الخطاب الذي یقدمھ وقسمھ إلى: خطاب تعبیري ( لیعبر عما یشعر بھ)، وخطاب إقناعي ( لیؤثر في المستقبل) وخطاب إعلامي ( لینقل معلومات عن واقع ما)، وخطاب أدبي ( لیجذب الانتباه للغة الخطاب). 

وبغض النظر عن تعدد أشكال الخطاب ..فإن ما یقع في نطاق اھتمام النظریة الإسلامیة للخطاب، تبعا للمفھوم الذي تتبناه الدراسة للاتصال الخطابي ھو ما یؤدي في النھایة إلى تحقیق الأھداف التي تسعى في الوصول إلى الحق القادر علي إحداث التأثیر المرجو حیال أي أمر یقع في المجتمع المسلم بالصورة التي تصب في النھایة في صالح غایات ھذا المجتمع9." 

والخطاب كونھ لغة تواصلیة فلھ بعد تداولي أیضا، وللتداولیة أشكال ودرجات أھمھا:

"١. تداولیة الدرجة الأولى: وتھتم بالرموز الإشاریة التي تحیل إلى المتكلمین، والزمان والمكان، وبذلك تھتم بدراسة البصمات التي تشیر إلى عنصر الذاتیة في الخطاب، والتي تحدد مرجعیتھا ودلالتھا من خلال سیاق الحدیث10. 

2.              تداولیة الدرجة الثانیة: تتمثل بدراسة مدى ارتباط الموضوع المعبر عنھ بملفوظھ، إي دراسة حجم ما یبلغھ المتكلم من دلالات الملفوظ الذي یؤدي ذلك11. وھي تدرس كیفیة انتقال الدلالة من المستوى الصریح إلى المستوى التلمیحي ( الضمني) ویعتبر من أھم نظریاتھا قوانین الخطاب.

3.              تداولیة الدرجة الثالثة:  ھي نظریة أفعال الكلام أو كما یسمیھا بعض الدارسین " أفعال اللغة" أو " الأعمال اللغویة"، للفیلسوف الأمریكي جون أوستن، والتي طورھا تلمیذه سیرل، مؤداھا أن الأقوال المتلفظ بھا لا تصف الحالة الراھنة للأشیاء فحسب، بل أنھا تنجز أفعالا، والسیاق ھو الذي یحدد نوع الفعل المنجز، أمرا أو نھیا أو استفھاما أو غیرھا، ویھدف ھذا الاتجاه إلى تحدید القوة الإنجازیة (الإیحائیة) في الملفوظ، وتحدد ھذه القوة في الملفوظات من خلال موقع المتكلم في المجتمع12 وقصده الدافع للإنجاز.13" 

الموقف الخطابي:

"یعد مصطلح الموقف الخطابي The Rhetorical Situation مصطلحا محوریا في النظریات الخطابیة الحدیثة، ویشیر إلى مزیج من الأشخاص والأحداث والموضوعات والعلاقات التي تشكل ضرورة واقعة بالفعل أو محتملة الوقوع.. ضرورة یمكن التصدي لھا بشكل كامل أو جزئي إذا ما تم الاستعانة بالخطاب14. وقد تتعلق الضرورة الداعیة للخطاب بشخص أو مجموعة أشخاص، أو مجتمع، أو ربما بعدة مجتمعات، وعلى الرغم من أن البعض یُخرج الاتصال الشخصي من دائرة الاتصال الخطابي فإن "للوید بیتزر" نفسھ یدخلھ ضمن الاتصال الخطابي كما نحا ذلك المنحى كثیرون غیره شریطة أن یكون ھدف ھذا الاتصال إحداث تأثیر متعمد في سلوك المتلقي... إن ھدف عملیة الاتصال الخطابي ھو معرفة الحق، أي تلك المعرفة التي تقوم على البرھان، ولیس الظن، فإدراك الغایات التي جاء بھا الإسلام لیحققھا على نحو كامل، لن یصبح أمرا ممكنا إذا ما كان الظن ھو السید في الخطابات التي تطرح في فضاء المجتمع الإسلامي، وذلك لأن أي خطاب یطرح على أسس ظنیة إذا حقق جانبا من ھذه الغایات أخفق في جوانب أخرى. وإذا ما تعذر الوصول إلى الحق في أمر ما من الأمور فینبغي لمنشئ الخطاب أن یعلن  أن ما یطرحھ ھو مجرد ظن واحتمال ولیس یقینا وإلا كان طرح ھذا الظن على أنھ حق، نوعا من الخداع والغش لمتلقي ھذا الخطاب.. وھو أمر لن یمر عند ﷲ تعالى دونما عقاب.15" 

فموقع الخطیب ومضمون الخطاب والھدف منھ، والمُرسَل إلیھ وآلیات الخطاب كلھا مجتمعة عوامل یجب أخذھا في الحسبان في التأسیس لأي خطاب في الوسط الإسلامي، على أسس تأخذ بعدین:

ـ بعد الھویة الخاص، ونعني بھ الإسلام.

ـ بعد الھویة العام، ونعني بھا الإنسانیة.

حتى بعد العولمة وتطور وسائل الاتصال واتساع مساحتھا، وانفتاح الدول على بعضھا البعض وكذلك المجتمعات، فإن ھذا الانفتاح سیلعب بلا شك دورا محوریا في تطویر الخطاب وتنضیجھ، لكنھ یجب أن لا یلغي الھویة الخاصة لكنھ یلعب دورا ھاما في تنضیجھا وتشذیبھا.

فلم یعد مقبولا من الناحیة العقلیة، أن یكون الخطاب تحت شعار الحفاظ على الھویة موغلا في القدم وغارقا في الخرافات والأساطیر وفي الكلام المرسل، كذلك لیس مقبولا من الناحیة العقلیة تحت شعار الانفتاح ومواكبة التطورات، أن یكون الخطاب منكرا للھویة الخاصة، بل ناسفا لھا بحجة التجدید.

أھمیة الخطاب:

یلعب الخطاب دورا بارزا في صناعة وعي الجمھور المُخاطب، وتنشیط الأبعاد التصوریة الذھنیة، بل صناعة تصورات جدیدة تشكل قاعدة بیانات لصنع معارف في حال تكاملت قاعدة البیانات التصوریة بالأدلة وشكلت تصدیقات، لھا دور كبیر في توجیھ السلوك البشري.   

فاللغة وسیلة من وسائل الفعل ولیست أداة للتأمل16،وھي أداة لوصف الواقع17، وھو ما یتحقق عبر المقولات الخبریة التي تخضع لمعیار الكذب والصدق حسب مطابقتھا لما تخبر عنھ مع عدم ذلك، وھو المعیار الوحید الذي یحكم الجمل والمقولات18. 

أما الجمل التي لا تصف ولا تخبر فھي من قبیل العبارات التي لا معنى لھا19.  

فاللغة حسب الفیلسوف الإنجلیزي جون لانجو أوستن، أداة لبناء العالم والتأثیر فیھ، ولیست مجرد وسیلة للوصف فقط، فثمة الكثیر من الجمل لا یمكن أن توصف بصدق ولا بكذب ومن ثم فھي لا تصف شیئا وإن

كان شكلھا لا یختلف عن شكل الجمل الخبریة(الوصفیة) وبنیتھا، لكن لھا معنى وأھمیة بالغة الخطورة في العالم، یعد مجرد التفوه بھا حدثا أو جزءا من حدث، ویمثل لھا بالجمل الآتیة:

قول الرئیس: "أعلنت الحرب".

أنا أسمي ھذه الباخرة الملكة إلیزابیث20. 

والكلام أو المقولات لھا بعد إنجازي، بمعنى أنھا تكتنز أفعالا ویعتبر النطق بھا ھو إنجازا لفعل أو إنشاء لجزء منھ.وھو ما تم بحثھ في باب الخبر والإنشاء لدى العلماء خاصة في حوزة النجف21. 

فقد شخص العلماء أن النمط المقابل للإخبار ھو إنشاء، وھو المعادل الموضوعي لنظریة أفعال الكلام عند أوستن. والإنشاء ھو الإیجاد والإحداث، قال تعالى " إنا أنشأنھن إنشاء"/ الواقعة (٣٥)، أي إنا أوجدناھن وأحدثناھن22. وقد عبر أوستن عن الوظیفیة الفعلیة التي یؤدیھا الكلام ب " أفعال الكلام"،فالكلام حسب رأیھ ھو نوع من الفعل23. وقد میز ﷲ تعالى في آیاتھ الكریمة بین الكلام النافع والأفعال النافعة وبین غیرھا من خلال تأسیس قرآني لطیف كان محوره كلمة ھي " اللغو".

نظریة اللغو في القرآن وتأسیس الخطاب التواصلي:

 

وردت كلمة اللغو في القرآن في عدة آیات ھي:

1.              لاَّ  یُؤَاخِذُكُمُ ﷲُّ بِاللَّ غْوِ فِيَ أیَْمَانِكُمْ وَلَكِن یُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قلُوُبُكُمْ وَﷲُّ غَفوُرٌ حَلیِمٌ البقرة/ ٢٢٥

2.              انَما یُؤَاخِذُكُمُ ﷲُّ بِاللَّ غْوِ فِي أیَْمَانِكُمْ وَلَكِن یُؤَاخِذُكُم بِمَا عَ َّ قد ُّ تمُ الأیَْمَانَ فَكَ َّ فارَتُھُ إطِْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِینَ مِنْ أوَْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أھَْلیِكُمْ أوَْ كِسْوَتُھُمْ أوَْ تَحْرِیرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّ مْ یَجِدْ فَصِیَامُ ثَلاثََةِ أ َّ یَامٍ ذَلكَِ كَ َّ فارَةُ أیَْمَانِكُمْ إذَِا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أیَْمَانَكُمْ كَذَلكَِ یُبَ ِّ ینُ ﷲُّ لَكُمْ آیَاتِھِ لَعَلَّ كُمْ تَشْكُرُونَ المائدة/ ٨٩

3.              وَالَّ ذِینَ ھُمْ عَنِ اللَّ غْوِ مُعْرِضُونَ  المؤمنون/٣

4.              وَالَّ ذِینَ لَا یَشْھَدُونَ ال ُّ زورَ وَإذَِا مَ ُّ روا بِاللَّ غْوِ مَ ُّ روا كِرَامًا الفرقان/٧٢

5.              وَإذَِا سَمِعُوا اللَّ غْوَ أعَْرَضُوا عَنْھُ وَقَالوُا لَنَا أعَْمَالنَُا وَلَكُمْ أعَْمَالكُُمْ سَلَامٌ عَلَیْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاھِلیِنَ القصص/٥٥

فاللغو بحسب تفسیر صاحب الأمثل في تفسیر القرآن الشیخ ناصر مكارم الشیرازي ھو : یشمل كل عمل لا ینطوي على ھدف عقلائي.

 تدور لفظة اللغو حول أسس مھمة تكتمل فیھا غالبا نظریة اللغو القرآنیة والتي تتعلق في وجھ من وجوھھا باللغة والخطاب و سنفصل ذلك لاحقا، لكن أھم الأسس التي یدور حولھا مصطلح اللغو القرآني والتي یمكن استلھامھا من الآیات التي ورد فیھا ھذا المصطلح وھي:

1.  اللغو یشمل الألفاظ والأفعال.

2.  یفتقد إلى الھدفیة.

3.  یفتقد إلى العزم في النیة، فھو عبث فكونھ بلا نیة عمل فھو بالتالي بلا ھدف وبالتالي یعتبر عبثا.

4.  یعتبر اللغو من مصادیق الباطل والكذب.

5.  یعتبر اللغو من مصادیق اللھو وھو من مصادیق الأقوال والأفعال الھادرة للوقت بلا فائدة.

6.  اللغو من مصادیق الجھل.

7.  اللغو من مصادیق الخرافة.

8.  المؤمن لا یمارس اللغو بكل أشكالھ، ولا یتوقف عنده بل یتعداه دوما إلى العمل الجاد الھادف المنجز.

ھذه أھم الأسس التي یمكن استقرائھا من مصطلح اللغو القرآني وفق وروده في سیاق الآیات السابقة. وقد یكون لذلك مدخلا مھما لتأسیس الخطاب المتزن، كونھ یوضح معالم اللغو في الفعل والكلام، وأغلب صفات اللغو، وھو ما یدفع لتأسیس خطاب لا یمكن أن تنطبق علیھ مواصفات اللغو القرآنیة، حتى یكون خطابا متزنا مضمونا وھدفا ورسالة، وبعیدا عن أي لغو. ھذا فضلا عن ابتعاد الخطاب عن كل ما اعتاده المجتمع من لغو، كالجھل والخرافة والخوض في الباطل وتضییع الأوقات فیما لا یجب واستنزاف العقول في التفاھات التي لا ھدف فیھا وتعتبر من العبث في عقول وقلوب الناس، بل إن الخطاب علیھ أن یبتعد عن كل قیود اجتماعیة غیر عقلانیة مارسھا المجتمع نتیجة إما تقصیره أو قصوره في فھم الواقع والحقیقة، ونتیجة انغماسھ في كل مصادیق اللغو.

فاللغو ھدر لطاقات العقل فیما لا یجب، ومشتت لطاقات الإنسان ومقید لھ عن التكامل، بل ھو حاجب غلیظ على عقلھ عن رؤیة الحقیقة والواقع كما ھو، و مشوشا لبصیرتھ، فأي خطاب یمكن أن یمارس ویحقق في عقل الإنسان ما یقوم بھ اللغو وما ینطبق علیھ مصادیق اللغو، فھو بالتالي من اللغو.

وھو ما یؤكد على أھمیة دراسة مقامات الخطاب وخلو الخطابات من كل مصادیق ومقومات اللغو، بل ضرورة دراسة الخطیب للبیئة المخاطبة والأخذ بالحسبان ما یجب أن یقال وما لا یجب، وكیف یقال، وقبل كل ذلك لماذا یقال. وإضافة إلى ما سبق ھناك نقطة محوریة مھمة في الخطاب وھي صدق المضمون وعلمیتھ من حیث برھنتھ بالأدلة، وعدم كونھ مجرد ظنون ونقولات لا دلیل علیھا، أو مجرد مجموعة أفكار وعقائد موروثة لم یتم تمحیصھا. وھو ما یتطلب من الخطیب الارتقاء بمضمون خطابھ ومحتواه من الشعبویة إلى الموضوعیة والعلمیة.

وكلما كانت شخصیة الخطیب لھا رمزیة اعتباریة في المجتمع، وتأثیر حقیقي وكبیر في سلوك جمھوره، كلما باتت الحاجة أكثر لضرورة التأسیس لخطاب یأخذ في الحسبان كل ما یمكن من شأنھ أن یؤثر في وعي وسلوك الجمھور، وأقصد مضمون الخطاب اللفظي، ومقامات الألفاظ، وبیئة المخاطب والمشاكل التي یعاني منھا الجمھور في ذلك المجتمع، بل المضمون النفسي لتركیبة المجتمع والجمھور المخاطب. وكل ھذا كي یكون الخطاب محفزا لتحقیق الوعي والتغییر، خاصة إذا كانت المناسبة التي یلقى فیھا الخطاب، مناسبة ذات أھمیة كبیرة في ثقافة وھویة الجمھور، ولھا ثقل في صناعة وعیھ وتوجیھ سلوكھ.

فإذا اجتمعت موقعیة الشخصیة المُخاطِبة ورمزیتھا، مع محتوى الخطاب وما یحویھ من فعل كلامي أو إنشاءات، فإن ذلك یحدث تأثیرا عمیقا في وعي الجمھور، وفي نوعیة الأفعال المنجزة من قبلھ، أي ھو توجیھ مباشر للسلوك عبر مجموعة الأفكار التي یتم صیاغتھا عبر الأفكار، لتشكل بنیة فكریة تكتنز توجیھات عمل غیر مباشرة، وسلوك اجتماعي جمھوري مُوَ َّ جھ من قبل الخطیب. 

الخطاب و المنبر الحسیني:

تتمیز المناسبات الدینیة في أي دین بأنھا محطة بالغة الأھمیة في إیصال الرسائل سواء السیاسیة أو الاجتماعیة أو الدینیة، وفي محاولة توجیھ وعي الجمھور باتجاھات معینة، أو بناء قناعات معینة لھ تخدم القائمین على المناسبة أو الداعمین لھا، وتاریخیا تم استغلال المناسبات الدینیة من قبل السیاسیین أو أصحاب النفوذ والسلطة وخاصة الحكام. وكانت ومازال الخطاب الوسیلة المستدامة في ھذه المناسبات وغیرھا في التواصل مع الجمھور.

وكثیرا ما تستغل ھذه المناسبات ویصاغ الخطاب بطریقة مدروسة من كافة الجھات للحصول على منفعة أو لتوجیھ الرأي العام، وھذا ما نراه في كثیر من الخطابات الانتخابیة والدینیة والسیاسیة وحتى في المحافل الدولیة وغیرھا. حیث یراعي أصحاب المناسبة بنیة الخطاب اللغویة ومحتواه الفكري وصیاغة جملھ بطریقة موجھة قادرة على تحقیق الھدف الذي صیغ لأجلھ الخطاب وعقدت لأجلھ المناسبة.

وھنا تتبلور أكثر أھمیة اللغة وصیاغاتھا وأھمیة الخطابات ومآلاتھا، " لا تكسبنا اللغة معرفة لكل شيء فحسب، بل توضح لنا ما ھي الأشیاء التي لدیھا قابلیة إطلاق اسم علیھا، ھذه اللغة تقسم لنا العالم إلى مقولتین: الأولى عینیة والأخرى ذھنیة، وتعلن أمامنا بأن ھناك وقائع یمكن النظر إلیھا على أنھا عملیة ووقائع أخرى على أنھا شیئیة. وھذه اللغة كذلك تعلمنا عن الزمان والمكان والأعداد، وتھب أفكارنا عن طبیعة روابطنا مع الآخرین شكلا معینا، فحیاتنا تدور في حدود اللغة وإمكان الاستفادة منھا والتلاعب بالكلمات، ونحن لا نستطیع أبدا تصور شكل العالم الذي یحیا فیھ أناس آخرون غیرنا ویتكلمون لغة مختلفة، لأننا غالبا ما نتخیل بأن الكل في ھذا العالم یرون ویفترضون كما نفعل نحن.، وفي ھذا المجال فإنھ من النادر جدا التوجھ إلى ھذه الاختلافات أو التساؤل عن ھذا الافتراض المقصود.

كل لغة تمتلك لنفسھا مجالا ومیدانا خاصا بھا، وبسبب التفاوت في الإمكانیات وفي البناء اللغوي في ما بین لغتین، فمن البدیھي وجود الاختلاف في ما بین اللغتین على صعید وجھات النظر ومستویات فھم العالم، وفقط أولئك المطلعون على كلا اللغتین وتاریخھما یستكشفون مثل تلك الاختلافات. فإذا اللغة، قیاسا بالوسائل والأدوات الأخرى تعتبر أداة تمتلك أیدیولوجیا خاصة في توجیھ الأمور حیث غالبا ما تحفظ نفسھا منفصلة عنا، وھذا التوجیھ عندما یتصل بموضوع اللغة، فإنھ ینغرس عمیقا في شخصیاتنا وطریقة تلقینا للعالم إلى درجة یصبح من الصعب معھا التعرف إلى ھیكل التوجیھ البنائي دون الخضوع لتعلیم خاص في ھذا المجال. وبعكس التلفزیون والحاسوب، فإن اللغة لا تظھر على أنھا نوع من الترقي أو التوسع في قدراتھا، بل تعتبر جزءا طبیعیا مما نحن علیھ، إلا أنھ في أغلب الأحیان یمكن لجملة أن تلعب دورا ھاما شبیھا بما یمكن لآلة القیام بھ، وھذا بالضبط ما یمكن أن تراه بوضوح كامل في استمارات الجمل التي نسمیھا الأسئلة، وأكثر من أي مكان آخر."24

وتعتبر عاشوراء من المناسبات الدینیة الھامة جدا في تاریخ المسلمین بل وغیر المسلمین كونھا تتكلم عن واقعة تاریخیة خاضتھا شخصیات تاریخیة ذات موقعیة متقدمة في تاریخ البشریة ولھا موقعیة ھامة في الدین الإسلامي مثل الإمام الحسین علیھ السلام وأھل بیتھ، الذین كانوا معھ وأصحابھ الذین رافقوه

واستشھدوا معھ، وكان من بینھم سبعة عشر صحابیا من أصحاب النبي صلي ﷲ علیھ والھ جد الحسین لأمھ الزھراء علیھا السلام، وقد خاض معركة قاسیة في مواجھة یزید بن معاویة  الذي ینتمي لبني أمیة، فجده أبو سفیان من كبار قریش ومن الطلقاء الذین لم یسلموا إلا بعد فتح مكة، وكان من أكثر وجھاء قریش الذین واجھوا النبي صلى ﷲ علیھ وآلھ ظنا منھ أنھ یقاتلھ لأجل الزعامة القریشیة، ولم یدرك تماما أنھ نبیا مرسلا، ورغم دخولھ الإسلام بعد فتح مكة، إلا أن القناعات القبلیة ظلت راسخة كون الصراع صراع على السلطة، وھو ما توارثھ بنو أمیة إلى أن سقطت دولتھم.

ھذه المعركة المفصلیة في تاریخ الإسلام والإنسانیة كانت تعبر عن صراع بین خطین، بین السلطة المستبدة التي یمكن تمثیلھا بسلطة فرعون وھي سلطة تنزع نحو الھیمنة على الثروات واستعباد الناس وسلبھم قدرتھم على الإدراك والنقد والتغییر من خلال تعطیل حریتھم وتخدیر إرادتھم ، وبین دعاة العدالة والتوحید والراغبین في تحریر الناس من عبودیة فرعون وإطلاق قدراتھم العقلیة في الإدراك والفھم والتمییز وتطویر قدرتھم على الاختیار، وھو خط نبي ﷲ موسى علیھ السلام إذا أردنا تمثیلھ قرآنیا، في مقابل خط فرعون، وھو واقعیا خط الأنبیاء ومن اتبعھم الأمثل فالأمثل.

24مجلة الاستغراب/ العدد ١٢/ ص ٥١

كانت من أھداف الإمام  الحسین علیھ السلام التي صرح بھا ھي الاصلاح في الأمة ، ولم یقل إصلاح واقع الأمة ، لأن الواقع ھو صناعة الإنسان ، فالإصلاح في وعي الأمة ومعاییرھا وقیمھا وأھدافھا وفھمھا للكون من خلال اصلاح رؤیتھا الكونیة سیغیر واقعھا وینھض بھ.

الإصلاح والنھضة كلاھما یحتاجان إلى كل من الفكرة والعاطفة في خطاباتھم وأدواتھم ، كي یصیبوا حاجة الإنسان في كافة أبعادھا، وكي یحرزوا حقیقة التغییر التي ھي ھدف الإصلاح والنھضة.

وبعد ذھاب الحدث زمنیا وبقائھ تاریخیاً تحول إلى ساحة ملھمة في القراءة والفھم ، ومصدرا یتكيء علیھ كل حر مرید للحریة ورافضا للاستبداد.

النھضة فكرة قرآنیة أسسھا ﷲ تعالى لترسم معالم الإنسان في أبعاد كثیرة،  تبدأ في معراجھا نحو النھوض من دائرة الذات وتتسع ھذه الدائرة إلى الأسرة، ومن ثم تأخذ في اتساعھا أبعادا تشمل المجتمع ومن ثم الدولة بحدودھا الجغرافیة الخاصة والخارج جغرافیة أي دولة الإنسان.

والنھضة متصلة اتصال عضوي وظیفي بالتغییر ببعده الإیجابي ، كونھا كفكرة تكتنز في عمقھا الحركة ولیس الركود، والحركة باتجاه تصاعدي ، وھي من مقومات التغییر - أي الحركة - ومن مصادیق الحركة التصاعدیة المقاومة التي تعني رفض ومواجھة كل ما من شأنھ سلب مقومات إنسانیة  الإنسان ، وھي الحریة والإرادة والاختیار ، سواء بالاستبداد أو الفساد الذي یعیق نھضة الإنسان والمجتمعات والدول ، أو بالاحتلال الذي یسلب المقدرات والثروات والمقومات ویھدر الطاقات فیمنع النھضة كونھا مقوضة لوجوده ومانعة لھیمنتھ.

ولو توغلنا بالفكرة قلیلا كي ندخل بھا أرض الواقع لوجدنا أن النھضة مع وجود المطامع والمطامح والنزعة نحو الھیمنة من قبل دول النفوذ الاقتصادي والعسكري ، ستحتاج النھضة كي یتم تفعیلھا كمشروع أممي یبدأ من الفرد إلى المجتمع والمجتمعات المشكلة للشعوب لینتھي بالدول ، ستحتاج إلى مأسسة في منظومة متكاملة تبدأ من الخطاب الذي یشكل محور مھم في مسار العملیة الإصلاحیة.

ووفق المبدأ الإمامي الإثنى عشري فإن ولایة المعصوم علیھ السلام لا تسقط برحیلھ عن الدنیا، بل یبقى منھجھ وتوجیھاتھ وإرشاداتھ حجة ودلیل إذا ثبت صدوره عنھ، دلیل یرشد للطریق الأقصر إلى ﷲ. وظیفة الإمامة ھي وظیفة خاصة فقط بالمعصوم الذي اختاره ﷲ لأدائھا، عدا ذلك لا یوجد تكلیف مفروض على الأمة لو قام بھ المعصوم سقط عن الأمة او الباقي.

بل المعصوم دوما یكون في مقدمة أداء تكالیفھ على أكمل وجھ لیقدم نموذجا وقدوة للمكلفین لاتباعھ وایصالھم إلى ﷲ، لأن أحد أھم وظائف الإمام ھو الإیصال إلى المطلوب، والإیصال یتطلب حركة من المعصوم في خط مستقیم وحركة من المكلف في ذات الخط ،شریطة أن یمتلك عقلا مریدا مختارا ولیس عقلا مقلدا متبعا دون إدراك، فولایة المعصوم وكذلك ولایة الانبیاء لا تكون نافذة إلا على العقلاء الذین ادركوا الحق من الباطل ومیزوا الطرق، ومن ثم ارادوا واختاروا الطریق الموصل الى ﷲ بكامل ارادتھم.

وحینما نقول مكلف إي ھناك تكلیف شرعي علیھ ونعني بالتكلیف الشرعي: ھو وظیفة الشخص المكلف في حیاتھ على ضوء الأوامر والنواھي الإلھیة او  ھو خطاب ﷲ المتعلق بافعال المكلفین طلبا او تخییرا. كطلب القیام بالصلاة وطلب الامتناع عن الكذب او التخییر بین الفعل وعدمھ كالاكل، وعلى ضوء دوره كخلیفة ﷲ على الأرض. وھنا عندما نقول خلیفة ﷲ نعني امتلاكھ لكل مقومات الاستخلاف، والقابلیات والأدوات التي تمكنھ من أداء دوره الاستخلافي. فنحن نقول أن الإنسان خلق بالقوة لیمارس دور الخلافة بمعنى أودعت بھ ھذه الوظیفة فطریا بالتساوي بین كل البشر، لكن فعلیا یختلف البشر بین من ھو واقعا خلیفة وبین من ھو ابتعد عن دوره الاستخلافي في الأرض لبعده عن مرادات المستخلفِ.

وبناء على ذلك یتم التكلیف الشرعي لمن أدرك وظیفتھ الاستخلافیة في الأرض على ضوء إرادة المستخلفِ، وإذا أدرك ذلك بعقلھ، سعى لمعرفة الإرادة الإلھیة في الأرض بطریقة عقلانیة  توصل إلى المطلوب. وبعد معرفة المنھج الصحیح على ضوء إرادة ﷲ یصبح ھنا قادرا على تشخیص مساره في الدنیا ووظیفتھ، وھي النھوض المستمر في كل لحظة لمواجھة كل محاولات الانحراف في المسار أو محاولات حرفھ عن جادة الحق. لكنھ في ذات الوقت یجب أن یمتلك القدرة على تشخیص مراتب ھذه المواجھة و كیفیتھا وآلیاتھا التي تحقق ھدف النھوض، كون الانحراف لیس بمرتبة واحدة وكل مرتبة لھا أسلوب مواجھة وتوقیت وطریقة.

فالنھوض حركة دائمة مستمرة على طول المسار الإنساني في الدنیا لأن الصراع بین الحق والباطل لن یتوقف فیھا، بالتالي ھو بحاجة مستدیمة لتقییم المسار وتقویمھ والنھوض بھ. سواء نھوضا أخذ في حسبانھ الزمان والمكان ومواكبا للعصر أو نھوضا یسعى من خلالھ إعادة المسار بعد انحرافھ لطریقھ القویم. فھناك نھوض تطوري عصري، وھناك نھوض مقوم و مصحح. وفي كلا الحالتین على الإنسان المسؤول إدراك وظیفتھ والمباشرة في تأدیتھا.

والتخلف عن الإمام یكون بترك المكلف لوظیفتھ الاستخلافیة، وعدم أدائھ لما اعتبر واجبا علیھ، وعدم التزامھ بالحق وبمنھج المعصوم في مواجھة الانحرافات والدعوة إلى ﷲ، ھذا إضافة لتخلفھ عن منھج البحث القائم على الدلیل والبرھان الذي أسسھ ﷲ في القرآن، والذي ینھض بالعقل ویجعلھ دوما في حالة الباحث عن الحقیقة حتى مع بعدنا عن عصر التشریع والعصمة،ھذا فضلا عن تخلف المكلف عن فھم كیفیة مخاطبة الناس ولوازم الخطاب الصحیح، ومقامات الخطاب.

فتشخیص مراتب الخلل وتشخیص آلیة مواجھة كل خلل وكل مرتبة ضرورة لإحداث حركة النھضة، فأداء وظیفة الاستخلاف وفق الإرادة الإلھیة من أھم مقوماتھا امتلاك القدرة على التشخیص السلیم في توجیھ المسار وفق الإرادة الإلھیة، وھو ما یتطلب قدرة مستقیمة وبصیرة نافذة في قراءة الواقع وحساب عواقب الأعمال والخیارات المتاحة ودراسة المعطیات المحیطة كافة والإمكانیات، ومن ثم مقارنة الخیارات واختیار الأكثر استقامة على إرادة ﷲ وحفظا  لكرامة الإنسان وللدین.

 وترك ھذه الاعتبارات وفھم مسار المعصوم ومنھجھ وطریقتھ في تشخیص المقامات والمراتب خاصة على مستوى الدعوة إلى ﷲ المتعلقة بالخطاب ومضمونھ، وما یترتب على ھذا الترك من تداعیات تؤثر على  مستقبل الدعوة والدین وعلى مدى نفوذھما في وعي الناس، فحینما تخلف الناس بعد وفاة النبي ص عن أداء تكلیفھم اتجاه المعصوم  وصلنا نحن الیوم إلى ھذا الكم من الانحراف في الأمة والتحریف في الدین وانتشار الظلم وغیاب العدالة وتراجعنا كأمة بین الأمم.

وقد وردت توصیات كثیرة ذات مصادر متعددة، وفي فترات زمنیة مختلفة، وارتبطت التوصیات التي وردت من المعصومین علیھم السلام، ارتبطت بثواب كبیر جدا في الآخرة، وھو ما یدلل على أھمیة ھذه التوصیات وآثر الاتزام بھا على مسار الإنسانیة، وھذه التوصیات كانت تخص الحث الشدید على إحیاء مراسم عاشوراء وذكراھا، بل كان بعض الأئمة یدفعون من حر مالھم لتكلیف أشخاص یقومون بندب الحسین علیھ السلام وروایة مصیبتھ في یوم العاشر من محرم وما جرى على أھلھ وأصحابھ من ظلم. لذلك عبر التاریخ التزم أتباع ھذه المدرسة بإحیاء ھذه المناسبة العظیمة مھما كلفھم ذلك من تضحیات، خاصة مع مواجھة السلطات عبر الزمن لھم، ومنع أي مظاھر تحاول الإشارة لھذه المناسبة وما حدث فیھا، بل منعت زیارة قبر الحسین علیھ السلام، وتم وضع عقوبات تصل إلى حد الموت لمن یخالف ویذھب لزیارة الإمام الحسین علیھ السلام.

إلا أن أھمیة الحدث وفجاعة ما حدث بھ وأھمیة الشخصیة التي قادتھ وھي شخصیة الحسین علیھ السلام، وأھمیة الرسالة التي حملھا الحسین علیھ السلام ووجھھا للعالم أجمع عبر التاریخ من خلال استشھاده بھذه الطریقة، تدفع باتجاه الإصرار على إحیائھا عبر التاریخ، لأنھا تجسد مواجھة بین فرعون وموسى، وبین الظلم والعدالة، وبین العبودیة والكرامة، وبین الحریة والاستعباد، فھي معركة حملت منظومة قیمیة إنسانیة عالمیة تتجاوز الزمان والمكان. كانت ھذه المعركة إصلاحیة لجذر تأسیسي في الدعوة إلى ﷲ، وھو التوحید الذي انحرفت كل دلالاتھ العملیة في وعي الأمة، لیصبح ھناك آلھة في عرض ﷲ وبطریقة دینیة تخدیریة تعطل وتشل قدرة الإنسان على المواجھة، بل تجعلھ یقر بعبودیتھ لھذا الإلھ الجدید بحجة طاعة ﷲ.

ومن أھم الوسائل التي من خلالھا یمكن التواصل مع الناس والجمھور، وإیصال رسالة الإمام الحسین علیھ السلام وإحیاء ھذه المناسبة ھي المنبر، وما لھذا المنبر من دور كبیر في تصویب وعي الجمھور، وإصلاح بنیة الفكر، وتثویر العقول ونھضتھا، وإعادة تصویب مسارات الأمة نحو خیار التوحید الحقیقي، ونفي كل أنواع الألھة، ومواجھة كل أنواع السلطة التي تتصف بمنھج فرعون ویزید، أو تحاول حرف مسار الرسالة الحسینیة عن أھدافھا ومآلاتھا وآثارھا الاصلاحیة الحقیقیة، فھنا المواجھة لیست فقط مع الخارج، بل أیضا مع الداخل المنتمي لمدرسة الحسین علیھ السلام ولكنھ یحرف الثورة الحسینیة عن أھدافھا ویشوه ثورة عاشوراء في وعي الجمھور، ویؤسس لوعي منحرف یؤدى إلى انحراف جدید باسم الحسین ع، وبالتالي لا تؤدي عملیة الإحیاء دورھا المراد منھا.

المنبر ھنا یواجھ محورین:

1.  محور خارجي متمثل بمواجھة الفراعنة والظلم والفساد.

2.  محور داخلي متمثل بمواجھة الانحراف وتشویھ مسارات الثورة وأھدافھا، وتعطیلھا وتخدیرھا بالعاطفة دون الفكرة، وتشویھ معالم الثورة بسلوك یدفع فاعلیھ لإحراز راحة نفسیة تعطیلیة، دون الالتزام بمنھج صاحب المناسبة وتحقیق الھدایة التي توصل الناس إلى ﷲ تعالى.

وھذه المواجھة تتطلب حس عالي من المسؤولیة والفھم، وإدراك الواقع والاختلافات الموجودة بین الشعوب والمجتمعات، وإدراك الإشكالیات الخاصة والعامة، ومقامات اللغة، وماذا یقال وكیف یقال ومتى یقال وأین یقال، لذلك یعتبر صیاغة الخطاب ذا أھمیة قصوى في المنبر الحسیني.

"ولما كان أي خطاب یطرح في المجتمع الإسلامي ـ مثلھ في ذلك مثل أي مجتمع ـ یستمد المعاییر التي یعایر على ھداھا مدى سلامة معارفھ وغایاتھ والوسائل التي یحقق خلالھا ھذه الغایات من الخطاب الذي ینتمي إلیھ، ولما كان ھذا الخطاب العام یستمد معاییره من الخطاب الذي یعلوه، وھكذا، إلى أن نصل إلى خطاب التصور الكوني الذي یعد الخطاب الكلي الذي لا یعلوه خطاب.. فإن ھذا یعني أن أي خلل في بنیة الخطاب الكلي ( منطلقاتھ أو غایاتھ أو وسائلھ) یعني حتما خللا في شتى الخطابات التي تنبثق منھ، وھو ما عني بالبدیھة حدوث اختلال في أي تحرك یھتدي بأي من ھذه الخطابات و ـ من ثم ـ حدوث إخفاق ـ علي قدر ھذا الخلل ـ في تحقیق الغایة المبتغاة من وراء ھذه الحركة. وھكذا.. فإن غیاب خطاب التصور الكوني الإسلامي القائم على أسس برھانیة یعد إشكالیة أمام قدرة النظریة الإسلامیة للخطاب على طرح التصور الذي یمكن خلالھ تأسیس وبناء أي خطاب في المجتمع الإسلامي، على نحو یمكن ھذا الخطاب من بلوغ الحق حیال القضیة التي یتصدى لھا."25 

فالنظریة الخطابیة الإسلامیة یجب أن یكن أحد أھم أھدافھا بل محور أھدافھا ھو تأسیس خطاب قائم على البرھان، لا على الظن كما ھو حال النظریات الخطابیة الوضعیة. 

ولھذا أھمیة قصوى في تأسیس وعي الجمھور ومن ثم توجیھ سلوكھ، بل لھ دور محوري في رسم منھج التفكیر وآلیاتھ، والذي یلعب دورا ھاما في توجیھ السلوك الفردي والاجتماعي.

25 نظریة الخطاب ( الفكر) الإسلامي/ قراءة علمیة تأسیسیة / د.محمد یوسف السناسیري/دار القلم ط 1/ ص 233

وفي بناء أي خطاب في القضیة الحسینیة فإن ذلك یتطلب عدة أمور سواء على مستوى اللفظ واللغة أو على مستوى المضمون، أو على مستوى الأھداف، فالخطاب الحسیني یھدف إلى أھداف صالحة، بالتالي لابد أن تكون الأدوات في تحقیق ھذه الأھداف صالحة، ولابد للغة والمضمون أن یتناسب طردیا مع صلاح الأھداف.

فلا یمكن لأھداف صالحة أن تتحقق بأدوات غیر صالحة، كالمضمون الظني الغیر قائم على دلیل، أو الاستحساني، أو التعطیلي، أو التخدیري وكلیھما قائم على عاطفة انفعالیة خالیة من الفكرة والتعقل، ھذا فضلا عن استخدام المبالغات والخرافات والأساطیر في بنیة الخطاب الحسیني، وھو ما یجعلھ خطابا فولكلوریا أكثر منھ خطابا یطرح الحق وصفاتھ ،معالمھ بطریقة برھانیة عقلیة.

فالخطاب المنبري وخاصة الحسیني یفترض أن یتمیز بعدة ممیزات أھمھا:

1.دراسة إشكالیات الراھن التي یعاني منھا الفرد والمجتمع داخلیا وخارجیا، دراسة شاملة في أبعادھا الفكریة والإجتماعیة والنفسیة والاقتصادیة وانعكاسھا على بنیة الفرد والمجتمع النفسیة والسلوكیة، وھو ما یتطلب الرجوع لمتخصصین في ذلك المجتمع یعیونون الخطیب في بناء خطابھ الذي یفترض أن یقدم معالجات لھذه الإشكالیات ضمن إطار یوازي بین الداخل والخارج.

2.اللغة أو الألفاظ التي ستشكل مضمون الخطاب، فاللغة بنت الزمان والمكان، ولغة أي خطاب ھي رھینة زمانھا ومكانھا، لذلك تعتبر الألفاظ والتداولیة والمعنى من أھم الأبعاد التي یجب مراعاتھا في بناء نص الخطاب، فاللغة تحتوي على ھویة وھدف وأفعال وأوامر، فھي بالتالي تشكل محور ھام في بناء منظومة الأفكار وبالتالي الأفعال. بل ھي توضح منھج للجمھور یبنى علیھ تصورات وتصدیقات ورؤى وسلوك.

3.مراعاة المضمون للأھداف، ومراعاة وسیلة طرح الخطاب لتتناسب مع لغة وأدوات العصر وإشكالیاتھ، بل محاولة تغییر وعي الجمھور والترقي بھ من مرحلة إلى مرحلة أرقى تتناسب وعالمیة الرسالة ومحوریة الثورة في منظومتھ الفكریة.

4.اعتماد الدلیل والبرھان كبنیة تأسیسیة للخطاب، وعدم الركون إلى الظنیات وكل ما ھو دون دلیل، خاصة فیما یتعلق یحدث الثورة الحسینیة، لأن استخدام الخرافات والأساطیر والروایات الضعیفة، والاتكاء فقط على العاطفة في الخطاب، فإن ذلك مع التقادم ومع تطور العلوم ونھوض الوعي الإنساني واكتشاف وھن ھذا الخطاب فإن ذلك سیضعف من فعالیة القضیة الحسینیة ومصداقیتھا في النفوس، وبالتالي سیضعف من حقانیة أھدافھا ومنھجھا، ومع التقادم سیغیبھا عن وعي الأجیال القادمة كخیار محوري من خیارات الوعي الإنساني في المواجھة والتغییر. فالقضیة الحسینیة یجب أن تقوم على الصدق والدلیل والبرھان، ویجب أن یتم تخلیصھا من كل ما ھو زبد حتى لو خالف رغباتنا وما نعتقده مذھبیا، لأن قیام السلطات عبر التاریخ بمذھبة القضیة الحسینیة، ومن ثم تشویھ معالمھا وأھدافھا، وتصغیرھا لتصبح فقط مجرد مجموعة شعائر وطقوس یمارسھ بعض الشیعة لینالوا بذلك الشفاعة والراحة النفسیة، فإن ذلك حرف القضیة الحسنیة مع الزمن عن عالمیتھا وإنسانیتھا، بل ضیق أفق أھدافھا وحصرھا في صندوق ضیق لا یطلع علیھ إلا من انتسب للتشیع، أو من تفاعل مع القضیة الحسینیة بإنصاف، لذلك تجاوز ھذا الخطأ التاریخي السلطوي، لا یتم رلا من خلال بناء خطاب منبري یعتمد على الصدق والدلیل، ویعید صیاغة أھداف الثورة من بعدھا المذھبي إلى بعدھا العالمي، وھو ما یتطلب مضمون لغوي وفكري یتناسب وعالمیتھا، وھو بالبداھة یعني التخلص من كل الموروث الذي تم دسھ دون دلیل في القضیة الحسینیة. ویتطلب أیضا الأخذ بالحسبان تحول العالم إلى قریة صغیرة، وھذا ما عنیتھ من مراعاة الداخل والخارج في رصد الإشكالیات وفي عالمیة الخطاب في مضمونھ، فللغة مراتب ومواقع، والیوم بات الفضاء مفتوحا على كل العالم، فما یطرح في أي بقعة صغیرة من العالم سیصل خلال دقائق إلى كل بقعة في العالم، وھذا یعني أن تدرس بنیة الخطاب دراسة عمیقة تراعي خصوصیات الھویة الخاصة من جھة، وخصوصیات الھویة العامة من جھة أخرى وعالمیة الھویة الإنسانیة من جھة أخرى، وتحویل القضیة الحسینیة إلى قضیة إنسانیة لكل إنسان، وأھداف عالمیة یتطلب صیاغة خطاب یتناسب وھذا الھدف، آخذا في الحسبان كل حیثیات الراھن، من زمان ومكان ومن ظروف الإعلام والنقل والجماھیر المخاطبة، فقبل العولمة كان ھناك جمھور محدد یمكن للخطیب مخاطبتھ، وكان الخطیب یدرك ماذا یقول لھذا الجمھور وكیف یقولھ، لمعرفتھ بنوعیة ھذا الجمھور المحدد، لكن الیوم لم یعد ھناك خصوصیة للجمھور، فالخطاب الذي یطرح في العراق سوف یسمعھ كل الناس في كل مكان، لذلك باتت تحدید ھویة الجمھور ومستواه أصعب، وھو ما یدفع الخطیب لتغییر

الأسلوب والمنھج والأدوات والأھداف، والتغییر لیس بالضرورة تبدیل، بل قد یكون تغییر في الرؤى وتوسیع الأفق والترقي بالأھداف من مرتبة إلى مرتبة.

5.العالمیة تتطلب بنیة خطاب عالمي، وھو ما لا یمكن لخطیب وحده القیام بھ، بل یتطلب ذلك تشكیل لجنة من متخصصین في مجالات إنسانیة ونفسیة وعلمیة قادرة على أن تمد الخطیب بآخر المتابعات لیقوم بدوره بصیاغة خطاب بنیتھ الداخلیة متماسكة، وبنیتھ اللغویة عالمیة، وأدواتھ عصریة مواكبة للتطور، ومضمونھ یعالج أھم ما یواجھھ الفرد والمجتمع في راھنھ من إشكالیات.

إن المضمون اللغوي والبنیة الفكریة للخطاب وخاصة المنبري تحتاج الیوم إلى إعادة نظر حقیقیة، حتى لا تتحول إلى حزایا شعبیة لیس لھا قیمة علمیة، تتلاشى مع التقادم وتتلاشى معھا حقانیة الثورة الحسینیة، لذلك على المعنیین إعادة النشر في المنبر الحسیني، سواء من حیث ھیكلیتھ بحیث تصبح ھناك مؤسسة معنیة في المنبر الحسیني ومتخصصة في تخریج خطاب متخصصین في ھذا المجال، أو من حیث بنیتھ ومضمونھ والذي یجب أن یتحول لبنیة ومضمون وأھداف عالمیة وإخراجھ من الثوب المذھبي الضیق الذي آلبسھ الحكام عبر التاریخ للثورة الحسینیة، إلى الأفق العالمي الرحب الذي یسع كل مناضل یحمل أھداف وھم الحسین علیھ السلام. وھذا یحتاج إعادة نظر في كل ما ھو منقول حول الثورة الحسینیة وأحداثھا بحیث یتم تشخیص كل خبر ودراسة مصداقیتھ.

وھناك نقطة مھمة جدا في الخطاب وبنیتھ المضمونیة وھي أن یكون الخطاب مراعیا لأمور ھامة ھي:

ـ ماذا نقول ـ كیف نقول ـ متى نقول ـ أین نقول

فإن ذلك سیحقق في الخطاب مقولة المقامات الخطابیة والقابلیات ومراتبھا وكیفیة مخاطبتھا، مما یجعل الخطیب أكثر درایة وأكثر إحاطة بالواقع والجمھور والزمان والمكان والإشكالیات الراھنة. ویصبح أكثر فاعلیة في تحقیق أھدافھ بأفضل الأدوات الصالحة المتاحة، ویقدم الحق بأفضل قالب یمكن من خلالھ اختراق العقول والقلوب، وتحقیق ھدف الإصلاح الحسیني وخاصة الذي یحرك وعي الأمة ویرشد تجربتھا.

  الإنسان بین الجوھر والمظھر/ إریك فروم/ سلسة عالم المعرفة / العدد ١٤٠/ اغسطس ١٩٨٩م / ص ٣٤

2   اللسانیات أو علم اللغة ھي علم یھتم بدراسة اللغات الإنسانیة ودراسة خصائصھا وتراكیبھا ودرجات التشابھ والتباین فیما بینھا. و یدرس اللغة من كل جوانبھا دراسة شاملة. أما اللغوي فھو الشخص الذي یقوم بھذه الدراسة. ظھرت اللسانیات الحدیثة في القرن 19م، لكنھا كعلم قدیمة قدم الإنسان"ویكیبیدیا".

 

3 ھبة عبد المعز/تحلیل الخطاب/ مؤسسة النور للثقافة والإعلام/ عن موقع  

https://mawdoo3.com/تعریف_الخطاب

  بتصرّف./ .31 ، دور البنیة اللغویة في الخطاب الإشھاري - رسالة جامعیة، صفحة(5102)

 4 شروق خلیل

 عن موقع/  https://mawdoo3.com/تعریف الخطاب

5 ھبة عبد المعز/ مصدر سابق

    6 نظریة الخطاب (الفكر) الإسلامي: قراءة علمیة تأسیسیة، محمود یوسف السماسیري/ ص ١٢٠

7    الأبعاد التداولیة عند الأصولیین ، مدرسة النجف الحدیثة نموذجا، فضاء ذیاب غلیم الحسناوي، مركز الحضارة لتنمیة الفكر الإسلامي، سلسلة الدراساتالحضاریة،ط ١، بیروت ٢٠١٦، ص ٣٠

8 عید بلیغ، التداولیة البعد الثالث في سیمیوطیقا موریس، ص ٣

9   نظریة الخطاب الأسلامي/ قراءة علمیة تأسیسیة، محمود یوسف السماسیري، ص ١١٢،١١١

10 فطومة حمادي، تداولیة الخطاب المسرحي، مجلة: "الحیاة الثقافیة"، وزراة الثقافة والمحافظة على التراث، تونس، دیسمبر ٢٠٠٧، ص ٧٩.

11 خلیفة بوجادي، في اللسانیات التداولیة، ص ٧٩

12فطومة حمادي مرجع سابق ص ٨٠

13فضاء ذیاب غلیم الحسناوي، مصدر سابق، ص ٤٥،٤٤

6.p ,cit.Op,Lioyd Bitzer 14

15 ص ١١٤،١١٣،١١٢نظریة الخطاب الأسلامي/ قراءة علمیة تأسیسیة، محمود یوسف السماسیري،

16 ردة ﷲ بن ردة بن ضیف ﷲ الطلحي، دلالة السیاق ص ٢٢٣

17 فیلیب بلانشیھ، التداولیة من أوستن إلى غوفمان، ص٥٤

18 الأبعاد التداولیة عند الأصولیین، مدرسة النجف الحدیثة أنموذجا، مركز الحضارة لتنمیة الفكر الإسلامي، فضاء ذیاب غلیم الحسناوي، ص ٤٧

19 ھشام عبد ﷲ خلیفة، نظریة الفعل الكلامي، ص٤٠

20                       مصدر سابق ص ٤٧

21                       مصدر سابق، ص ٤٨

22                       محمد حسین الطباطبائي، المیزان في تفسیر القرآن ج ١٩، ص ١٢٨

23                       الأبعاد التداولیة عند الأصولیین، مدرسة النجف الحدیثة أنموذجا، مركز الحضارة لتنمیة الفكر الإسلامي، فضاء ذیاب غلیم الحسناوي، ص٨٤