الحلقة النقاشية السنوية لموسم محرم الحرام للعام الهجري 1443

تحت شعار لطلب الإصلاح في أمة جدي

الحلقة النقاشية فيما تخص محور وح الشباب وتجلياتها في كربلاء)

 

المقدمة:

إن من أرقى مفاهيم التعاون المعطاء أن تتحول الخدمة المنبرية الفردية لعمل جماعي مدروس، يحمل على عاتقه النهوض بالواقع الاجتماعي لمستوى الإصلاح الأكمل.

ومن ثم معالجة الخلل البنيوي في القيم والمبادئ وتغطية الثغرات الثقافية بالفكر الأصيل بأساليب جذابة تواكب فكر فئة الشباب والشابات .

ومما يثلج الصدر إقامة هكذا حلقات نقاشية سنوية تبين أهمية دور المنبر الحسيني من أجل توحيد الجهود وتكاتف الطاقات لرصد الغزو الفكري لأبناء هذا المجتمع واختيار أفضل الطرق تأثيرا في تحقيق وتفعيل الإصلاح في أمة رسول الله صلى الله عليه وآله.

 

الموضوع:

المحور الذي سأشير عليه في هذه الدقائق المعدودة يتعلق بروح الشباب وتجليتاها في كربلاء من حيث الحماسة الحسينية ومن ثم دور القيادة الواعية وأثرها في توجيه الطاقات الشبابية، ومن ثم الخطاب المنبري ما بين النقد والتوجيه.

نحن نلاحظ أن الإمام الحسين عليه السلام عمل على إشراك جميع فئات المجمتع في نهضته الكبرى ليكون لكل فرد في المجتمع دور في المشروع الإصلاحي الحسيني فكانت عاشوراء ذات مشاهد متعددة أدى أدوارها المرأة والطفل الرضيع والصبي الصغير والشاب في مقتبل العمر والشيخ الكبير.

ولما تمثله فئة الشباب من أهمية كبرى في تركيبة المجتمع كان لها اهتمام ونصيب بارز ودور ريادي في مشروع الإمام الحسين الإصلاحي، فالإسلام ينظر للشباب بنظرة إيجابية باعتبارهم قوة حيوية محبة للخير .قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله )إن الله بعثني بشيرا ونذيرا فحالفني الشبان وخالفني الشيوخ( فيرى المتخصصون في مجال التربية إن فترة الشباب هي أنسب فتــرات النمو الإنساني لقبـــول الخير والحــق ،لأن جهازه العصبي ما يزال مرناً  لم تلوثه الانحرافات بدرجة تستعصي على التغيير، مما يتيح له الفرصة في تعديل وإصلاح الذات. وهذا ما أكد عليه الإمام الصادق عليه السلام: 

(عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير)

نحن بالتفاتة سريعة  لو أردنا معرفة عدد الشباب المشاركين في النهضة الحسينية في يوم عاشوراء وفق المدى العمري ما بين 14 سنة و 30 سنة، يتبين أن عددهم ما يقارب تسعة عشر شابا قاموا بدور الشباب في النهضة الحسينية، كالعباس وإخوته وعلي الأكبر والقاسم بن الحسن عليهم السلام.

 

كل هؤلاء يعدون رمزاً لاستنهاض شباب الحاضر، لذلك كلما هلّ هلال عاشوراء علينا أن نتأمل لماذا اعتلى النداء من سيد الشهداء يوم عاشوراء بعد مقتل الجميع قائلاً )هل من ناصرٍ ينصرني(. هل شعر الحسين بالوحدة؟ وكيف يشعر بالوحدة من كان مع الله وكان الله معه.

 

الإمام الحسين عليه السلام كان يقوم أولاً بواجبه الإرشادي والإصلاحي فنادى أعداءه من باب فتح باب التوبة لهم، والهدف الثاني من هذا النداء هو أن يفتح لنا باب الالتحاق بالركب الحسيني لنكون من الذين لبوّا نداء العزة في وجه الظلم، فهذا النداء يبقى موجهاً لنا وللأجيال القادمة للالتحاق بركب كربلاء الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه، وبهذا تكون فرصة تلبية النداء متاحة وسارية المفعول إلى يوم الظهور.

 

ومن هنا تتشكل حيثيات الحماسة الحسينية، فلا شك في أن قضية كربلاء وعاشوراء الحسين عليه السلام تمثل أشد أقسام ديننا حماساً، فلا يقوى قسم آخر من الدين على إثارة هذا الحماس في قلب الإنسان. فلعلكم تلاحظون أن الناس يتفاعلون مع يوم عاشوراء أكثر من ليالي القدر، لماذا؟ لأن كل ما يقوم به الناس وبالأخص الشباب في يوم عاشوراء هو بدافع الشوق لا الخوف. فليس الأمر مشابهاً لليلة القدر التي تجعل الإنسان يضطر إلى إحيائها خوفاً من الحرمان فيما يقدّر الله في مستقبله أو من عدم غفران ذنوبه. وبالطبع إن الخوف عنصر جيد ولازم ولكنه لا يصل إلى محفزيةّ الشوق. نحن نحضر مجالس الحسين ومواكبه شوقاً وحباً للحسين. حتى أن في هذه الأيام قد يغفل الشباب عن ذلك الثواب في إحياء مجالس الحسين فتراهم يقيمون الشعائر الحسينية بدافع الحماسة والشوق الخالص المستقى من حبهم وودهم لشخصية الحسين عليه السلام. 

 

هذه الحماسة الحسينية المتمثلة بالفئة الشبابية تحتاج إلى القيادة الواعية والقيادة الفعلية لأنه ليس كل من حمل مواصفات القيادة فهو قائد . هناك شخصيات قيادية تحمل مواصفات القيادة لكنها ليس لها قيادة . أما القيادة الفعلية لا تكتفي بوجود شحص يتمتع بصفات القيادة. 

 

 لذلك القيادة الفعلية تستند على ثلاث أركان :

1(القائد المتميز

2(الأتباع المتميزون

3(الهدف المرسوم للقيادة 

 

        الركن الأول القائد المتميز هو الذي يتمتع بصفتين :

الصفة الأولى .. أنه خبير بحاجات المجتمع وبالخصوص الشباب و معرفة طموحاتهم وما يستهوي اهتماماتهم 

الصفة الثانية .. أن يكون قادر على التأثير في مشاعر الشباب وفي أفكارهم ويملك أدوات التأثير المحببة لهم  

 

        الركن الثاني الأتباع المتميزون : 

الأتباع قد لا يكونوا نافعين , وجودهم وعدمهم سيان فلا بد في القيادة الفعلية من أتباع متميزين واثقين بقائدهم ومخلصين له وواعين لأهدافه.

 

        الركن الثالث( الهدف ) : 

على القائد أن يجعل هناك هدف مرسوم له و لأتباعه من خلاله يعرف كل شخص دوره ومسؤولياته في تحقيق الهدف .

 

هذه الأركان الثلاثة كي يكون أساسها ثابت وفعال يجب أن تستند إلى جمال الحــب ، الحــب الذي يولـد الإهتمام ، فالإهتمام علامة الحب الصادق .. ولا نعني بالإهتمـام هنا الإهتمــام المادي فقط بل النفســي والمعنوي ، لكي يتحقق التأثير وترك الأثر. 

 

لذلك يجب أن نعلم أن هناك فرق بين التأثير وترك الأثر. التأثير هو: الانطباع اللحظي الذي يتولد في قلب المستمع الذي نريده أن ينضم لقافلة الإمام عجل الله فرجه، )انطباع لحظي أي من الممكن أن هذا التأثير يخمد ولا يحقق أي نتيجة إيجابية(. أما الأثر فهو يختلف: الأثر هو الانطباع العملي )وليس اللحظي(، هو الانطباع العملي بتغيير صفة سيئة أو اكتساب صفة حسنة. وهناك الكثير مما لا يتأثر باللحظة ولكن يترك الكلام والتوجيه أثراً عملياً فيما بعد.

إذ اً ، ترك الأثر هو المطلوب وليس التأثير اللحظي. نحن من نحمل مسؤوولية الإصلاح علينا أن لا نؤثر على قدر ما أن نترك أثر في كل موقع نحن فيه .

 

والآن في زمن الحرب الناعمة الوضع الاجتماعي يتطلب مناّ الانفتاح في الإصلاح والانفتاح على كل نماذج أفراد المجتمع قدر الإمكان، وبسلوكياتنا الأخلاقية معهم نترك الأثر الجميل وإن لم نلمس منهم تأثير لحظي .فيجب أن ندرك أنه بعد فترة من الزمن سيترك هذا العمل السلوكي أثر على تغييرهم وهنا يكمن السر في العمل الخالص لله في التعامل مع كافة الناس. ما هو سر ذلك؟ السر: 

(أن الكلمات الطيبات في لحظة اليسر تنمو في لحظة العسر)  

ومن  هنا تأتي أهمية المنبرالحسيني .. فالمنبر أرقى من أن يكون مكانا ً لسرد الأحلام والمنامات والقضايا الخلافية .. لأن المنبر الحسيني يمثل وزارة إعلام لما يقدمه لأفراد  المجتمع  وخاصةً الشباب ,, لذلك الان في عصر التمهيد لفرج الله الأكبر مَهَ مَة هذا المنبر لا تقتصر فقط على إصلاح الجوانب الدينية والإجتماعية بل كذلك إصلاح الجوانب الإقتصادية والثقافية والسياسية وتوعية المجتمع بالتصدي للاختراقات الثقافية الناتجة عن العولمة .. هنا يكون نهج الحسين عليه السلام منبراً للوعي العالمي ..فالمنبر الحسيني لا يقتصر على الإبكاء والتباكي فقط بل يكون كذلك في نطاق طرح المضامين التفسيرية  الأخلاقية  العقائدية والتحليلية .. وهذا ما نسميه بالموضوع المطروح على المنبر بغض النظر عن الجانب العزائي الذي لابد من طرحه وإشباعه. 

 

الان نلاحظ الأجيال الجديدة بدأت تتراجع في تفاعلها مع الاسلوب المتعارف وهو اسلوب التلقي فقط ,, يعني اسلوب  الحديث من طرف واحد ,, أي أن يصعد الخطيب على المنبر ويتكلم ما يقارب الساعة والمستمع مجرد متلقي لا أكثر. 

 

هذا الاسلوب بدأت الأجيال الجديدة تنفر منه . فما سوى المناسبات الرئيسية الحضور من الفئة الشبابية حضور ضعيف ،، لذلك آن الأوان لتجديد الاسلوب(جانب العزاء لابد أن يحُتفظ به)لا كلام في ذلك .. الكلام في طرح الموضوع ,, فهناك عدة أساليب مقترحة بأن يكون الخطاب تبادليا .بمعنى أن الخطيب يحضر الفكرة بمحاورها وتنشر هذه الفكرة مسبقاً ثم يطرح الموضوع للمناقشة وإبداء الرأي (هذا اسلوب من الاساليب )

 

اسلوب آخر استخدام البرامج والمؤثرات البصرية والسمعية التي اعتاد الجيل الجديد أن يتعامل معها في الجامعات والمدارس .. هنا المتلقي يشعر بأنه يتفاعل مع المنبر والمنبر يتفاعل معه . ومن هنا تكون الثقافة لها مدخلية في التغيير ،، لأن الشاب يتكامل ويتسافل باختياره ..لذلك هناك أربع أنواع من الثقافات..  ثلاثة منها مدمرة .. والأخيرة هي المطلوبة .. وهي اللتي سنسأل عنها .. بسم الله الرحمن الرحيم ..  (فوربكِ لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون )

 

أولا :ثقافة الاستسلام 

يعني أن يستسلم الشاب للواقع ويكون الوضع كأننا  أحجاراً في لعبة الشرطنج يلعب بمقدراتنا خصمنا . طبعا هذه الثقافة تعارض قول الله )وكا أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ( لتعارض قول الله )إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم ( التغيير يبدأ بنا  والله يعطينا المدد 

 

ثانيا : ثقافة التواكل 

هي ترك الأسباب بالتقاعس عن القيام بالأعمال ومتابعتها بحة الإتكال على الله وعلى الآخرين في قضائها..  متغافلين عن نصيحة رسول الله )ص( إعقلها وتوكل .. فإذا كل واحد منا يتكل على الآخر في عمل دوره هنا تتعطل الحركة .

لغة التواكل ... من يتكلم بهذا اللغة الركيكة هو واقعالًا يعرف ضمير المتكلم )أنا ونحن( لايعرف إلا ضمير الغائب .. هو هي هما هم .. هذه ليست لغة الإسلام , الإسلام لغته كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته 

 

ثالثاً: ثقافة النقد السلبي 

هي ثقافة تصيد الأخطاء والعثرات ،، 

للأسف إننا في مجتمع أصبح يشم القبيح فقط من مسافة بعيدة .. يذوب حباً في لعن الظلام ولا يفكر في إيقاد ولو شمعة واحدة .. لهذا علينا أن نفعلّ النقد البناء لأ،ه عنصر تطوير أما النقد الهدام عنصر تدمير .

والآن نأتي الى الثقافة المطلوبة التي انطلق منها الحسينع .

 

رابعاً: ثقافة الشعور بالمسؤولية 

الاسلام يصرح كلكم راع .. )كلكم( لايوجد استثناء فإن أهل البيت عليهم السلام حتى على مستوى الدعاء كدعاء الإفتتاح )اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه ( يعني أستشعر دوري ومسؤوليتي .. كل شي أعرفه من الحق أطبقه. 

)وما قصرنا عنه فبلغناه( ،، يعني الحق الذي لا أعرفه بلغني ووصلني إليه.

هذا النوع من الثقافة ،، ثقافة الشعور بالمسؤولية هي اللتي تنصر أهداف الحسين عليه السلام ،، فنحن في زمن تحتشد فيه جيوش الكترونية همها زعزعة إرادة وعقيدة الشباب.

 

فكربلاء الحسين هي معركة الوعي وصراع الإرادات .. واليوم نشهد انتشار الوباء الحقيقي ،، وباء التطبيع مع الصهاينة .ولكن (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ) نحن في زمن الدفاع عن المقدسات وفي زمن تلبية نداء ألا من ناصر ينصرني ,, نحن في زمن تفعيل المواقف والمبادئ لصالح الاسلام المحمدي الأصيل ، وهذه مسؤولية الشباب المتصدي لهذا الغزو الفكري. 

 

والحمد لله رب العالمين

وفقنا الله وإياكم خدمة أهداف سيد الشهداء عليه السلام

 

غفران الشامي 

 2021/07/29