بسم الله الرحمن الرحيم 

ارتدادات الخرافة في القضية المهدوية

 
                                                                                                                                  
   إعداد وتقديم
                                                                                                                                     الشيخ علي غلوم

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف:157].
من غايات البعثة:
بعث الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم هادياً ودليلاً إلى الحقائق، مبطِلاً ومحارباً للأوهام والأساطير، إنقاذاً لهم مما كان يمثّل أغلالاً تُثقل حركتهم وتقيّدها بالباطل. هذه الأوهام والأغلال كانت تسبب الشقاء حتى ليصل الأمر بالأب أن يذبح ولَدَه بعنوان النذر أو التقرب إلى الأصنام: (وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ)[الأنعام:137]. وكان الجاهليون يلجؤون إلى الجن باعتبارهم أبناء الله وأن لهم قدرات خارقة، فيكفرون ويأتون بأفحش الأمور كسباً لرضاهم دون نتيجة حقيقية: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا)[الجن:6]. 
الإيمان بالغيب:
وفي المقابل فقد دعانا الله إلى أن نؤمن بوجود عالم الغيب، وامتدح ـ في كتابه العزيز ـ المؤمنين بالغيب: (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)[البقرة:2-3]. وإنما دلنا على أن عالم الغيب من الحقائق وليس من الأوهام والأساطير: العقل والوحي.
فالطريق لمعرفة ما هو من حقائق الغيب وتمييزه عن الوهم والخرافة يتم عن طريق مصدرين:
1ـ العقل، ومثاله الواضح الإيمان بوجود خالق لهذا الوجود.. فالله تعالى من الغيب، وإيماننا به سبحانه إيمان عن طريق العقل في المرتبة الأولى.
2ـ الوحي، كقوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة:285].
وما سوى ذلك يعتبر وهماً: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ)[النجم:23]، فلابد من وجود سلطان وبرهان ودليل قاطع.
قوة الخيال:

هناك استعداد قوي عند الإنسان للإقبال على الخرافة، ولنلاحظ النصوص التالية:
1ـ (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الأعراف:138].
2ـ عَنْ أبي واقد الليثي: (أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِلَى حُنَيْنٍ، وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكِفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، إِنَّهَا السُّنَنُ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ).
3ـ عن عبد الرحمن بن أبي عبدالله: (سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجلٍ حلف أن يَنحر ولده، قال: هذا من خطوات الشيطان). لاحظ عودة الوهم والخرافة التي حاربها القرآن! والإمام يحيل إلى قوله تعالى: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[البقرة: 168-169].
هذا الاستعداد القوي ناشئ من قوة الخيال التي تميز عقولنا عن الكائنات الحية الأخرى، ومن خلالها يتم الإبداع والاختراع وتطوير الحياة في الجانب الإيجابي ومن خلالها تأتي الأساطير والأوهام في الجانب السلبي.
الحذر الحذر:
ولذا لابد من أن يكون أحدنا حذراً جداً وهو يتعامل مع هذه القوة، والسبيل هو الاعتماد على السلطان والبرهان والدليل القاطع كما أخبرنا القرآن الكريم لنغلق الباب أمام الكثير من الادعاءات والخرافات والأساطير التي تربك إيماننا وتُثقل حركتنا وتقيّدنا بالأغلال، وتجعلنا أحياناً طُعمة سهلة للدجالين وبائعي الأوهام.
ولنأخذ الأمثلة التطبيقية التالية التي تبين حد ما بين الغيب والوهم:
1ـ الوحي أخبرنا أن بعض الأموات أحياء يُرزقون في عالم البرزخ، وهذا من الغيب، كما في قوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)[آل عمران:169]. ولكن أن نحصل على مرادنا وتُقضى حوائجنا بعقد الخيوط أو بوضع الأقفال على أضرحتهم، فهذا يعد من الوهم.
2ـ الوحي أخبرنا بوجود الجن، وأن عالمهم من عالم الغيب، ولكن الكثير من التصورات المتعلقة بهم مجرد وهم وخرافة: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِين) [سبأ:14]. 
3ـ الوحي أخبرنا على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بظهور المهدي في مستقبل الزمن ـ والغيب هنا بالمعنى الأعم ـ ولكن أن نرتبط به من خلال كتابة رسالة ورميها في الماء، أو من خلال أدعياء بأنهم وسطاء بينه وبين الناس في عصر الغيبة فهذا يعد من الوهم، وقد جاء في آخر (توقيع) رسالة صدرت عن الإمام محمد بن الحسن المهدي لنائبه الرابع والأخير (السمري): (وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر).
ولذا لابد من وضع سقف للغيب كي نمنع اقتحام الوهم إلى دائرة الغيب، وإلا فإننا سنفتح الباب على مصراعيه لولوج الكثير من الخرافات والأساطير والأوهام فيها، ونفسح المجال أمام شياطين الجن والإنس من الدجالين وذوي النوايا الخبيثة لاستغلال الناس من هذا الباب.

علامات ظهور الإمام المهدي(ع) هي أحداث وظواهر يؤشر وقوعها على قرب الظهور.
ـ وبما أنها علامات، فلابد أن تكون واضحة لا غبار عليها عند غير المعاندين والجاحدين، وإلا فقدت الهدف مِن ذكرها في النصوص، فقد ذكرها النبي(ص) والأئمة(ع) من أجل أن تكون سبيلاً إرشادياً إلى قرب الظهور وطريقاً إعدادياً لتهيئة المؤمنين أنفسهم لاستقبال الظهور والانضمام إلى حركة الإمام المهدي(ع).
ـ أما إذا كانت مثار جدل عندهم بلا عناد ولا جحود منهم، فما قيمتها حينئذ؟ وكيف يمكن أن تُسمّى علامة؟
ـ ولذا عندما يظهر السفياني، فلابد أن يكون واضحاً أنه السفياني، لا أن تكون المسألة مجرد اتهامات أو ظنون وتخرصات.. وعندما تكون هناك صيحة لابد أن تكون متميزة بحيث تكون علامة لا غبار عليها عند المنتظرين.. وعندما يظهر اليماني لابد أن يكون بنفس المستوى من الحجية أنه علامة، لا أن يظهر شخص لا يعرف أن يقرأ البسملة ويدّعي أنه من علامات الظهور!
ـ ثم هناك مسألة مهمة جداً وهي أن الأحاديث التي تتناول علامات وشرائط الظهور ووصف زمن الظهور وأحداثه جلُّها روايات ضعيفة الإسناد بحسب تحقيق العلماء من أهل الاختصاص!
ـ بالطبع ضعف الرواية سنداً لا يعني بالضرورة أنها لم تصدر عن النبي أو الإمام، فلربما يصدق الكذوب ولو
مرة في حياته، ولكن هل يمكن الاعتماد على هكذا مرويات في تكوين تصور أكيد وواضح عن كل تلك
الأمور المتعلقة بقضية مصيرية كقضية الإمام المهدي(ع)؟
ـ والخلل الآخر في التعامل مع هذه النصوص هو إسقاطها على الأحداث أو الشخصيات إسقاطاً ظنياً بلا دليل.. ثم تمرُّ الأيام وتنكشف الحقيقة!
ـ ففي يومٍ ما كان الصفويون هم أصحاب الرايات المشرقية، وقد قال المجلسي بعد ذكر رواية الإمام الباقر(ع) التي ذكرناها مسبقاً: (إنه لا يخفى على أهل البصائر أنه لم يخرج من المشرق سوى أرباب السلسلة الصفوية، وهو الشاه إسماعيل أعلى الله مقامه في دار المقامة... فيكون في هذا الحديث إشارة إلى اتصال دولة الصفوية بدولة المهدي(ع)، فهم الذين يسلمون المُلك له عند نزوله بلا نزاع أو جدال).
ـ وغرق الصفويون في الفساد، وانتهت دولتهم، واختفت البشارة بين دفات الكتب.
ـ وفي يومٍ ما كان الملا عمر الطالباني هو الخراساني، وبن لادن هو اليماني.. ثم انتهت الأسطورة، وانكشفت الحقيقة، وسقطت الأقنعة!
ـ وتتوالى الادعاءات والتفسيرات والإسقاطات، تارة باندفاعات عاطفية، وأخرى من قبل الأدعياء من طلاب السلطة، وثالثة من قبل عشاق الشهرة، ورابعة نتيجة الجهل والسذاجة، وخامسة من قبل الجهات المخابراتية التي تسعى لتوظيف هذه القضية لصالح إسقاط الواقع الإسلامي في أحضان عملائها أو الأفاكين الكذابين من أشباه سامري بني إسرائيل الذين يصنعون للناس من أموالهم (عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ) إفساداً لعقول الناس، وإخلالاً في دينهم، وحرفاً لهم عن جادة الحق، مستغلين بذلك عاطفة البسطاء، ومزيِّنين عجلَهم بالادّعاءات الكاذبة والأساليب الشيطانية.. ولنا أن نتساءل: هل جاء تأسيس شعبة في المخابرات المركزية الأمريكية بأمر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن خاصة بدراسة كل ما يتعلق بالمهدي المنتظر لسواد عيون المنتظرين لظهوره الشريف؟! إن علينا جميعاً أن نعمل كما عمل موسى(ع) حيث قال: (وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا).