بسم الله الرحمن الرحيم

الانتظار بين التكليف الفردي و الشرعي

اعداد وتقدبم

أ. سلوى الحبيب

قال الله العظيم في محكم كتابه الكريم بسم الله الرحمن (والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا ) في خضم هذه الأحداث المتتالية والأمواج العاصفة التي تعصف في الأمة الإسلامية من ثورات و إنطلاق مسيرات وسيادة الفوضى وانتشار الظلم والفساد : تقف الشخصية الرسالية موقف المستبصر المتطلع لمثل هذه الأحداث نظرة الحكيم المتبحر ، بأن هناك حدثاً مرتقباً قادما ً سريعاً أم رويداً ، قريباً أم بعيداً ، لا نعلم متى لكنه قادم قطعاً وحتماً بلا ريب  ، فيجب الاستعداد له عاجلاً أم آجلاً ، فالتماثل الواعي لا ينظر إلى قلب الحدث فقط وينشغل به ، فبهذا ليس بيت القصيد أنما تكون نظرته الثاقبة و الشمولية المتطلعة إلى ما بعد الحدث .

أخواتي العزيزات أما آن لنا جميعاً ان نبدأ بالاستعداد لأن نكون من المنتظرين لقدومه المبارك ، أما آن أن نكون من الممهدين لظهوره المقدس ، أما آن ان نعد أنفسنا لنكون من أنصاره والمجاهدين بين يديه .

كيف السبيل لأن نكون ممن يرفع رايته وينضم تحت لوانه .

نحن جميعنا مكلفون بانتظار هذا اليوم الموعود ، فما هو تكليفنا وواجبنا ووظيفتنا في زمن غيبته صلوات الله وسلامه عليه ، واتجاه هذا اليوم ، يوم ظهوره وبزوغ نوره المبارك .

نعم إن تكليفنا ووظيفتنا وواجبنا في زمن الغيبة تنطلق من قاعدة أساسية وأرضية رصينة ثابتة وهي قاعدة الإرتباط بإمامنا وقائدنا ومنقذنا ، ارتباطاً قلبياً وروحياً وعملياً وسلوكياً فكلما كانت القاعدة رصينة وقوية تكون الباعثة الأكثر نحو معرفة و أداء مسؤولياتنا وواجباتنا وتكليفنا .

ويتمثل الأرتباط بالامام الحجة عليه السلام في أمور عدة :

أولاً : معرفة مقام الامام بالنسبة لهذا الكون فشاءت الإرادة الالهية أن يكون مولانا الامام المهدي إمام هذا العالم وأن يكون له وحده وبأمرن وتسديد الهي انقاذ الشرية من الظلم والجور ولنا شرف خدمته والاستشهاد بين يديه ولذا فنحن مكلفون أن نعرف فضائله وبركات ومنافع وجوده المقدس لأن الارتباط به يعني الارتباط بالله فالأئمة الأطهار هم السبيل إلى الله كما في الزيارة الواردة ( بما موالاتكم علمنا لله معالم ديننا وأصلح ما كان فسد من دينانا ) .

وكلما ازدادت المعرفة بفضله واحسانه ومقامه العظيم وأثره وتأثيره على عالم الإمكان ، ازددنا ثباتاً على موالاته والتي هي من أشد التكاليف الثبات على العهد والولاية لمولانا الحجة عليه السلام ، وقد ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام ( من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر وأحد ).

ثانيا : لابد من مأموم من بيعة في عنقه وفي الرواية المعتبرة ( من مات وليس في عنقه لإمام المسلمين بيعة فميتته ميتة جاهلية ) .

فتمثل البيعة التزام المبايع وعقده المؤكد وميثاقة المسدد في أن ينصر من يبايعه في نفسه وماله ، لذا وضع الشارع المقدس منهجية صباحية وسياسية يومية تتعلق بما يسمى بدعاء العهد وهو عبارة عن بيعة يومية تقضي الى ارتباط عميق يومي بصاحب الأمر ( اللهم إني أجدد له في يومي هذا وفي كل يوم عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي ) .

ثالثا: ومن مظاهر الارتباط الشديد بالإمام الحجة الدعاء له لتعجيل الفرج فإنه يؤثر في تعجيل الظهور كما هو أمرنا عليه السلام في التوقيع الشريف ( وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم ) وقد قال الإمام المهدي عليه السلام (إذا أردتم التوجه بنا الى الله تعالى وإلينا فقولوا كما قال الله تعالى سلام على آل يس ، السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته السلام عليك يا باب الله وديان دينه فكم من المناسب أن يرتبط الفرد المسلم بصلاته اليومية بالدعاء له عليه السلام قنوتاً أو سجوداً لتكون له حالة ارتباطية وثيقة بينه وبين إمام زمانه فيعيش المعية مصداق قوله تعالى (وكونوا مع الصادقين ).

رابعا:ً  كما أنه هناك رابط شرعي بيننا وبين إمامنا لابد الالتزام به ألا وهو أداء حقه من الخمس ، ومن ما يؤسف له فعلاً تراك عدد من الموالين لهذه الفريضة الهامة التي فتحت مجالاً واسعاً لدعم العديد من المشاريع و المئات من الموارد التي تصرف منها حقه الشرعي بما يسمى سهم الإمام المخصص في الخمس ، فالإمام سلام الله  عليه كالأب الرؤوف الذي يرعى عياله ومحبيه في هذه النشأة فلذا من باب حقه علينا أن نعرف حقوقه ونحفظها له ، ولما كان الإمام عليه السلام الواسطة في وصول كل فيض إلى العالم وكان حقه بعد الله ورسوله الأعظم على جميع أهل العالم ، ونظراً للمراتب التي خصها الله بها دون سائر الخلق ولأنه خليفة الله  عز وجل في أرضه فإن مراقبة حقوقه عليه السلام والمواظبة على أدائها مما ينبغي للمؤمن أن يلتزم به لأنها توجب القرب إلى الله والزالفى لديه ، وأن الاستخفاف بحقه في المقابل يوجب البعد عن الله تعالى .

وكذلك التصدق عنه بنية حفظ الإمام الحجة وتعجيل فرجه فإن من علامات مودة المؤمن لإمامه أن بتصدق عنه نيابة وقد ورد عن الأئمة المعصومين التصدق عن سائر المؤمنون فكيف عن إمامنا المهدي الذي هو سيد المؤمنون فالصدقة عنه تحفظ العالم بأكمله ، لأن سلامة الإمام يترتب عليها حفظ العالم ناهيك عن الأمور الايجابية وما للصدقة من تأثير غيبي على حياة الإنسان .

 

خامسا: ومن دواعي الارتباط بإمامنا العزم القلبي على نصرته ، قال تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) وعن الإمام الباقر عليه السلام قال ( آل محمد هم حبل الله الذي أمرنا بالإعتصام به ، قال : واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) .

وفي الاجتماع تأثير لا يكون بالإنفراد على الرغم من أن النصرة تكليف كل فرد من أفراد المؤمنون ، قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبه له ( أيها الناس لو لم تتخاذلوا عن نصر الحق ، ولم تهنوا عن توهين الباطل لم يطمع فيكم من ليس مثلكم ، ولم يقوى عليكم ، لكنكم تهتم متاه بني اسرائيل ولعمري ليضعفن عليكم التيه من بعدي أضعافاً بما خلفتم الحق وراء ظهوركم ).

ومن مقومات نصرة الإمام عليه السلام دعوة الناس إليه ودلالتهم عليه ذلك من أعظم الطاعات وأوجب العبادات ويدله على فضله جميع ما ورد في فضل هداية العباد وإرشادهم إلى سبيل الرشاد وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام ( من كان من شعيتنا عالماً بشريعتنا وأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به جاء يوم القيامة وعلى رأسه تاج من نور يضيء إلى أهل جميع تلك العرصات وحلة لا يقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها ).

فالحركة المهدوية وعقيده الإنتظار يمكن تروج بعدة وسائل من بينها لغة المخاطبة أو الثقافة السمعية ولعدم رواج ثقافة القراءة في أوساطنا فإننا نستطيع من خلال وسائل أخرى ايصال المعلومة عن طريق عقد الندوات ونشر المكتبة السمعية والمرئية بكل جزيئاتها .

وإن من أهم موارد خلق حصانة فكرية للمذهب هو بناء جدار عقائدي مرتبط بالإمام عليه السلام للأجيال الصاعدة لتحميهم من الأفكار الضالة والتشكيكات الباطلة المنحرفة ، ومن أجل تعميق العلاقة النشىء المسلم وبين سيده ومولاه الحجة عليه السلام يجب إنشاء برامج يعتني بهذا الجانب ويوفر لأبناء ما يحتاجونه لتعريف إمامهم وزيادة محبتهم له والعمل الدؤوب لنيل رضاه من خلال تأسيس هيئات شبابية بإسمه ضمن إطار تنظيمي وإداري بتشكيل هيئة ثقافية أو علمية تتبنى الدعوة إلى الإمام المهدي عليه السلام .

وهكذا تتعد أشكال النصرة لإمام عليه السلام والتي هي من التكاليف والوظائف الشرعية والولائية .

سادساً :  البعض يسأل لماذا يتأخر ظهور الإمام الحجة عليه السلام في جوابه نقول :لغيبته عليه السلام علل وحكم كثيرة منها امتحان الأمة وحفظ الإمام ، حيث أراد الأعداء القضاء عليه كما قضوا على آبائه وأجداده عليهم السلام ، والمسألة تتعلق بإرادة الله عز وجل  ومشيئته ، ولا نريد ذكر الأسباب فيطيل المقام ، إلا أن أحد أسباب غيبته وطولها هو ذنوبنا العظيمة والكثيرة ، فأصبحت سبباً لإمتناعه عن الظهور ، ففي التوقيع الشريف قال عليه السلام ( فما يحسبنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثر منهم ) .

لقد حرص أهل البيت عليهم السلام على تأديب شيعتهم وتسليحهم بالعقائد الصحيحة حتى بلغ الأمر أنهم اذا كانوا في أسواق البصرة كانوا يعرفون من سماهم وأخلاقهم ومعاملتهم فكانوا يستدل عليهم بأنهم شيعة علي عليه السلام ، فينبغي أن نعاهد الإمام بتغيير أنفسنا تدريجياً وأن نلتمس الدعاء ومد يد العون لنا في سبيل التغيير . ولتحقيق هذين العنصرين لابد من الطلب الحثيث للعلم وطرح الأنا عن النفس ، إن الأئمة عليهم السلام ومنهم الإمام المهدي عجل مرتبطون بحقائق الكون فهم ينظرون إلى القلوب ولا يخدعهم صورة الشخص وظاهره ، فهم يتعاملون مع قلوبنا  ولا ينظرون الى صورنا وأشكالنا ولذلك علينا أن نقول الحق ونعتقد به ونعمل وفقه ( وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) فالمؤمنون هم الأئمة عليهم السلام .

قال الإمام الرضا عليه السلام ( إن دينهم الورع والعفة والاجتهاد والصلاح وانتظار الفرج بالصبر ) .

فعلينا أن نهيء أنفسنا ومجتمعنا بالعمل الصالح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فكما قال الإمام علي عليه السلام ( المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله ) فلا شك أنه يلاقي المنتظر لأمر الإمام صعوبات كثيرة حيث يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر في زمان أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، فحين إذاً يكون كالمتشحط بدمه في سبيل الله كما في رواية الإمام الصادق عليه السلام لأحد أصحابه ( من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم في فسطاطه ، ثم قال : لا بل كان كالضارب بين يدي رسول الله في السيف ).

سابعا: أما التكليف الجمعي ووظيفتنا جميعاً في زمن الغيبة يكون بالإنفاق والإجتماع على نصرة  صاحب الزمان عليه السلام ، أ تتفق قلوب المؤمنون مع بعضها وتتعاهد لنصرته (ع) والوفاء بعده وقد ورد في التوقيع الشريع عن الناحية المقدسة إلى الشيخ المفيد رحمه الله ( ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على إجتماع  من القلوب في الرفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت السعادة بمشاهدتنا ) .

فعلينا نبذ الخلاف كما قال الله عز وجل ( ولا تناعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم )ففي عصر الغيبة ليس المطلوب إشعال الفتن والاختلاف بين الناس ، وإنما المطلوب التمسك بالكتاب الكريم والسنة الشريفة ومنهج أهل البيت عليهم السلام ، والتي كلها تأمرنا بنبذ الخلاف والإعتصام حول راية الإسلام فلم يبقى علينا الآن سوى توحيد الكلمة وطرح الخلافات الجانبية القائمة بيننا ، نعم يد الله مع الجماعة فلتجتمع العقول وتتوحد القلوب وتشترك الأعمال فيجب على المسلمون أولاً أن يتوحدوا حول قضية الإمام المهدي عجل الله فرجه باعتبارها القضية الأهم والتي بشر بها الله ورسوله ، وبالتالي الإعداد للظهور المبارك الذي يعتبر أولى الأولوبات وأوجب الواجبات وذلك بتوحيد مؤسساتنا الإسلامية وتوجيه الخدمة لهذا الموضوع .

ويعز علينا كمسلمين أن نرى المؤسسات العالمية والإقليمية واسعة الانتشار وهي بمعظمها مؤسسات تهدف بحسب زعمها لخدمة القضايا العالمية ويغدق عليها الأموال الطائلة ، إلا أننا لم نرى من هذه المؤسسات إلا التقهقر ، فقد آن  الأوان لكي نقوم نحن المسلمون بالمبادرة لإنقاذ أمتنا من الضياع و الهلاك آن الأوان لكي نؤسس لظهور مولانا صاحب العصر بكل الإمكانات المتاحة ، وذلك بصرف أموالنا وطاقاتنا في مكانها الصحيح لكي يعرف العالم حقيقة هذا الوجود فعلينا خلق مؤسسات جديدة تحت اسمه عليه السلام تعمل على نشر الثقافة العلمية والدينية الحقة قولاً وفعلاً بعيداًعن اي إلتباس وتحريف ونشر الثقافة المهدية عن طريق مؤسساتنا العاملة لخدمة الإسلام والمسلمين .

ثامنا ً: من واجباتنا وتكليفنا الجمعي الالتفاف حول علماء الدين والمراجع العظام وهو في غيبة الأهمية باعتبارهم رجال الحق وأبصر في شؤون الدين والمذهب . كما قال رسول الله عليه آله وسلم ( العلماء ورثة الأنبياء يحبهم أهل السماء وتستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة ) وقد قال الإمام الباقر عليه السلام ( عالمُ ينتفع بعلمه خير من سبعين ألف عابد ) كما وإن للعالم واجبات وتكاليف بأن يظهروا علمهم ويرشدوا الجاهلين إلى جواب شبهات المخالفين كي لا يظلوا وينقذوهم من الحيرة إن وقعوا فيها ، وهذا الأمر مهم جداً في هذا الزمان فقد ورد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام ( إن الإمام محمد التقي عليه السلام قال :إن من تكفل بأيتام آل محمد صلى الله عليه وآله المنقطعين عن إمامهم المتحرين في جهلهم ، الأسراء في أيدي شياطينهم ، وفي أيدي النواصب من أعدائنا ، فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين برد وساسهم وقهر الناصبين بحجج ربهم ودليل أئمتهم ليفضلون عند الله على العباد بأفضل المواقع ) .

أو عن الإمام علي الهادي النقي عليه السلام ( لولا من يبقى بعد غيبتي قائمكم من العلماء الداعين إليه والدالين عليه و الذابين عن دينه بحجج الله ، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك ابليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله ، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل ).

 

هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وصلى الله محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين .