بسم الله الرحمن الرحيم

قراصنة القضية المهدوية ومشتركات أباطيل مدعي السفارة

أ . زكية الموسوي

 مقدمة

"هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون"[1]

من خصائص الإنسان المعاصر والجيل الحاضر، الإيمان والاعتقاد بالمُصلح العالمي، وإذا كانت فكرة المهدويّة في الماضي والأمل بحضور وظهور شخص يواجه الظلم والفساد ويسعى لإحقاق الحّق بجميع أبعاده محصورة ومنحصرة بمجموعة وفئة من أتباع المذاهب، ولكنّها اليوم ومن خلال رصد سريع ودقيق، نفهم أنّ هذه الفكرة والعقيدة أضحت شاملة و واسعة.

إنّ المشاكل والصعوبات والأزمات التي يواجهها البشر في العصر الراهن وحالات الظلم والجور والقتل وسفك الدماء، بأسوء الوسائل والأدوات و بدون أي تبرير عقلي ومسوّغ منطقي، وكذلك حالات العدوان من قبل قوى الهيمنة والسلطة والاستكبار العالمي، وعلى سائر أرجاء المعمورة، وهدم الهندسة السياسيّة لمنطقة معيّنة أو بلد من البلدان والتخطيط المدروس لإزالة الحكومات الشعبيّة والمشروعة     

ينبغي علينا الاهتمام بهذه الحقيقة الحاسمة في هذا المسير والمساهمة في تحقيق هذا الأمل للبشريّة، وفي هذا الطريق ربّما تقع بعض حالات الظلم والجور، وتنطلق دعاوى التحريف والتزييف، ومن هذه الجهة أيضاً تبتعد البشريّة أكثر فأكثر عن نقطة الأمل ومحور الخلاص.

يجب البحث عن حقيقة المهدويّة في المتون الأصليّة للدين، يعني القرآن الكريم والسنّة النبويّة والأئمّة الطاهرين (عليهم‏السلام) يجب الاستمداد واستخلاص هذه الحقيقة من كلّ آية من آيات القرآن ومن كلام الوحي ونور الكتاب المبين   

 -مفهوم البدعة في اللغة والاصطلاح

سنذكر مصدرين لمعنى البدعة في اللغة

1-ما أفاده الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب (العين) وهو من أقدم الكتب اللغوية، حيث قال: [البدع: إحداث شيء لم يكن له من قبل خلقٌ ولا ذكر ولا معرفة] فالابتداع يعني الإحداث

2-قال الفيروز أبادي في (القاموس) [البدعة: الحدث في الدين بعد الإكمال أو ما استُحدث بعد النبي (ص) من الأهواء والأعمال]

أيضاً سنذكر مصدرين لمعنى البدعة في الاصطلاح

1-ما ذكره ابن حجر الهيتمي في كتاب (التبيين) فيقول [المراد من البدعة: ما أُحدِث على خلاف أمر الشرع ودليله الخاص أو العام] أي ما هو على خلاف الشرع، ولا يوجد عليه لا دليل عام ولا دليل خاص وينسب إلى الشرع

2-قال السيد المرتضى في (الرسائل): [البدعة: الزيادة في الدين أو نقصان منه من غير إسناد إلى الدين ]  فلا يوجد هناك مستند لا على هذه الزيادة ولا على هذه النقيصة فحينئذٍ تكون بدعة

و خلاصة الكلام أن البدعة: هي عبارة عن إدخال ما ليس من الدين في الدين ، فحينئذٍ يتقيّد المراد من البدعة بقيدين أو بأمرين:

1-الاختصاص بالأمور الشرعية، فالبدعة تكون في ما يرتبط بالأمور الدينية

2-عدم وجود دليل شرعي على الأمر الحادث من الدين ، فليس هناك أي دليل ، لا دليل عام ولا دليل خاص على هذا الإحداث في الدين

-أنواع البدع الظاهرة اليوم في النيابة عن الإمام (عج) أو الاتصال به

بالنسبة إلى أنواع البدع فيما يرتبط بالقضية المهدوية، هناك ثلاثة أنماط :

1-النمط الأول: مَن يَدّعي بأنه هو الإمام المهدي، فهذه المسألة موجودة في وقتنا المعاصر \في مصر وفي اليمن وفي الجزائر\  بل حتى في غير مدرسة أهل البيت(ع) هناك من ادعى ويدعي أنه الإمام المهدي

2-النمط الثاني: مَن يَدّعي بأنه ابن المهدي كما هو موجود في العراق الآن

3-النمط الثالث وهو الأكثر: مَن يدّعي بأنه نائب خاص للإمام المهدي(عج) وهناك تواصل واتصال مع الإمام المهدي

طبعاً  لن نقف على المصطلح  المسمى بالسفارة أو بالنيابة الخاصة أو أي تسمية أخرى، فالفكرة هي أن هناك مَن يدّعي بأنه على اتصال مباشر بالإمام المهدي(عج) وأنه يتلقى التعليمات والأحكام منه وهو مكلف بإيصالها إلى كافة الناس من خلال الرؤى والأحلام، وهذا ينم عن وجود ضعف وفراغ عقائدي كبير في نفوس هؤلاء مهما كانت مستوياتهم

فلهذا تأتي أهمية ترسيخ البُعد العقائدي عند الإنسان المؤمن ، وقد قال الإمام الصادق(ع): {إن دين الله عز وجل أعزُّ من أن يُرى بالنوم}

ومن المسائل التي أثيرت في الفترة الأخيرة هي شبهة المنام والرؤيا وشبهة الاستخارة التي يستدل بها جماعة من المفلسين في البحوث العلمية، والذين يحاولون إثبات دعواهم وإثبات الأمور العقائدية بالرجوع إلى المنامات وبالرجوع إلى الاستخارة

لذلك سنتكلم عن المنامات وما يناسب المقام

وهنا يأتي السؤال: هل المنام هو حجة؟  فلو أن الإنسان رأى في منامه النبي (ص) أو رأى أحد المعصومين(ع) فهل المنام هو حجة على الإنسان في إثبات الحكم الشرعي أو في إثبات المعتقدات؟

آثار البعض الشبهة من خلال بعض الروايات التي تتكلم عن منامات المؤمنين ومنامات الأنبياء مثل رؤيا إبراهيم الخليل(ع)، ومثل رؤيا الملك ورؤيا النبي يوسف(ع)

وسنردّ عليهم بكلام الشيخ المفيد (قدس سره) الذي بحث في موضوع المنام والرؤيا وبحثه موجود في كتابين

كتاب (كنز الفوائد) للشيخ أبو الفتح الكراجكي وهو تلميذ الشيخ المهري وقد نقَل عن الشيخ المفيد نظريته في المنام

وكتاب (الفصول المختارة) للسيد الشريف المرتضى، الذي نقل نظرية أستاذه الشيخ المفيد وانتقى في كتابه بعض بحوث الشيخ المفيد

قسّم الشيخ المفيد الرؤيا إلى قسمين:

1-رؤى صادقة    2-و رؤى كاذبة

فليست كل الأحلام صادقة

وقسّم الرؤى الكاذبة إلى قسمين:

1-رؤى شيطانية    2-وأضغاث أحلام لا معنى لها

-سؤال: ما هو سبب حدوث الرؤيا ولماذا يرى الإنسان المنامات؟

يقول الشيخ المفيد في كتاب (كنز الفوائد) بأن هناك أربع أسباب لحدوث الرؤيا عند الإنسان:  

1-الانشغال الذهني والتفكّر وحديث النفس، فإن أي موضوع ينشغل به الإنسان ذهنياً ويتأثر به ممكن أن يرى في منامه شيء يتعلق بهذا الموضوع

وهذا الأمر يحدث عند الناس بشكل واضح، و كثير منا قد عاش هذه الحالة بأنه إذا انشغل ذهن الإنسان بشيء معين، فهذا ممكن أن يكون سبب ليراه في المنام، وليس بالضرورة أن يحدث الحلم والمنام في نفس يوم التفكير و التأثر، بل ممكن أن يراه بعد أسبوع أو بعد شهر أو بعد سنة

2-الحالة النفسية وتأثير المزاج، مثلاً: الإنسان الذي يعيش حالة خوف من أمر، هذا الخوف يجعل الإنسان يرى في منامه، كأن يكون خائف من المرض فيرى في المنام بأنه مريض، أو أن لديه شعور الخوف في ظروف أمنيّة صعبة فيرى في المنام بأن بيته قد سُرق

أو مثلاً: الإنسان الذي لديه أمل بشيء معين أو طموح، فممكن أن يرى في منامه بأن هذا الأمر يتحقق، كالمريض الذي لديه طموح في الشفاء و يرى في المنام بأنه شفي

فالحالة النفسية للإنسان ومزاج الإنسان إن كان مرتاح أو متعب أو خائف أو...، يؤثر على الإنسان في الرؤيا

3-اللطف الإلهي، فالله عز وجل يريد أن يبشّر الإنسان أو يرشده إلى أمر معين أو يحذره من أمر معين،  فتحدُث الرؤيا نتيجة اللطف الإلهي

و نحن لا نقول بأن مطلق الرؤيا ليس لها قيمة ، فهناك رؤى من هذا القبيل

4-وساوس الشيطان، هنا يتدخل الشيطان بهذه الرؤيا خصوصاً إذا اقترف هذا الإنسان معصية أو قام بعمل سيئ أو ظلَم أحد ، فالشيطان يتمكّن ويتصرف به

وكل ما اتبع الإنسان هواه ورغباته فإن الشيطان يصبح أقدر في أن يتحكم به.

إذاً هذه هي أسباب الرؤى ، فهناك أسباب تؤدي إلى أن تكون الرؤيا صادقة ، وهناك أسباب تؤدي إلى أن تكون الرؤيا غير صادقة

أيضاً هناك بعض الرؤيا الصادقة ليس لها علاقة في أن يكون الإنسان متدين مثل رؤيا الملك

-ويقول الشيخ المفيد في كتاب (الفصول المختارة) بأن هناك ثلاثة أقسام للمنامات:

1-القسم الأول من الله عز وجل التي ممكن أن تكون تبشير أو تحذير أو حث على العمل الصالح

2-القسم الثاني من الشيطان، أي رؤى شيطانية

3-القسم الثالث بسبب أحوال النفس .

 

-طبعاً لاشك بأن المقصود من القضية المهدوية في مدرسة أهل البيت(ع) هو : الاعتقاد بوجود الإمام القائم الذي يملئ الأرض قسطاً وعدلاً وهو آخر أئمة أهل البيت(ع)، لما نصّ الحديث المتواتر انحصار الأئمة من بعد النبي(ص) في اثني عشر إماماً

و إن كل مَن يدّعي أن يكون إماماً ثالث عشر أو رابع عشر ، فهو من أدعياء الإمامة التي دلّ الدليل الصريح على زيفه وكذبه  

 مدعو السفارة في عصر الغيبة الصغرى

-سنتطرق إلى مسألة التسلسل التاريخي في ادعاء السفارة

بدأ التزوير وادعاء السفارة عن الإمام المهدي(ع) منذ زمن الغيبة الصغرى والتي كانت مدتها تقريباً 70سنة، من 260 هجري إلى 329هجري

فحتى في هذه الفترة كان هناك دعاوى للسفارة مع وجود السفراء من قِبل الإمام(ع)

ففي زمن السفير الأول (عثمان بن سعيد العمري) لم تُسجل أي دعوى للسفارة مع وجوده ، باعتبار أنه كان شخصية قوية وله حضور قوي،  وقد كان وكيل للإمام الهادي(ع) و وكيل للإمام العسكري(ع) ولهذا لم يدّعي أحد السفارة في فترة وجوده

أما في زمن السفير الثاني ابنه (محمد بن عثمان بن سعيد العمري) والذي تعتبر مدة سفارته أطول فترة زمنية للسفارة والنيابة الخاصة، فالغيبة الصغرى كلها كانت 70 سنة،  40 سنة منها كانت للسفير الثاني ، و30سنة كانت موزعة على بقية السفراء

ولهذا فإن أكثر السفارات والدعاوى المزيفة للسفارة كانت في زمن السفير الثاني ، وقد ظهر أشخاص كُثر في هذه الفترة أولهم (أبو محمد الحسن الشريعي) وهو أول مَن ابتدع هذه البدعة

بعد ذلك ظهر (محمد بن نصير النميري) و بعده (أحمد بن هلال الكرخي) وأيضاً (أبو طاهر محمد بن علي بن بلال البلالي) وبعده (أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان المعروف بالبغدادي)

و البغدادي يكون ابن أخ أبي جعفر العمري ، أي أن السفير الأول هو عمه

هؤلاء وغيرهم ادعوا السفارة والنيابة الخاصة في زمن السفير الثاني ، وقد كان بعضهم صالحين في مبدأ أمرهم ومن أصحاب الإمامين الهادي والعسكري(ع) فانحرفوا وسلكوا مسلك الكذب والتزوير ، فجابههم (العمري) بكل قوة وانتصر عليهم ، وخرجت من الإمام المهدي(ع) التواقيع والبيانات بلعنهم والبراءة منهم والتأكيد على كذب سفارتهم

أما في زمن السفير الثالث (الحسين بن روح النوبختي) فقد كانت هذه الفترة هي أضعف فترة بالنسبة للسفارة، و كان هناك شخصية في قبال شخصية الحسين بن روح وهو (الشلمغاني)، هذا الشخص كان صاحب كتاب (التكليف) و كانت بيوت الشيعة مليئة بكتبه فكان شخصية لها وجاهتها أكثر من شخص السفير الثالث

تشير بعض الروايات إلى أن (محمد بن علي الشلمغاني العزاقري) كان وكيلاً للحسين بن روح النوبختي ولكن حمله الحسد على (ابن روح) على ادعاء النيابة الخاصة للإمام ، فانحرف بعد ذلك وأصبح سقيم العقيدة فكانت عاقبته أنه ظهر توقيع من الإمام الحجة بلعنه ثم قتله الحاكم العباسي 

أيضاً ورد أن الحلاج وهو (الحسين بن منصور الحلاج) و كان صوفي المذهب ، ادعى السفارة وادعى المعجزة

أما في زمن السفير الرابع والأخير للإمام المهدي(علي بن محمد السَّمري) والذي تولى مهمة السفارة مدة ثلاث سنوات ، قيل بأن هناك شخص ادعى السفارة وهو (أبو دلف الكاتب) وكان على ذلك إلى ما بعد وفاة (السمري)

وقد انتهت الغيبة الصغرى بوفاة (السمري) وبدأت الغيبة الكبرى للإمام(عج)

هذا هو تاريخ السفارات بشكل مجمل

و كان موقف الإمام المهدي(عج) موقفاً صارماً في التصدي لهذه الإدعاءات الكاذبة ، و قد ورد اللعن في حق مجموعة من هؤلاء الكذابين بالإضافة إلى موقف السفراء في تعاطيهم مع هؤلاء الأدعياء  و مواجهتهم

-منطلقات دعاوى السفارة

عن المفضل بن عمر قال، سمعتُ أبا محمد جعفر الصادق(ع) يقول {أما والله ليغيبنّ إمامكم سنيناً من دهركم ولتمحَّصُنَّ حتى يُقال : مات ، قتل ،هلك ،بأي وادٍ سلك؟ ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين ولتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر فلا ينجو إلا مَن أخذ الله ميثاقه ،و كتبَ في قلبه الإيمان وأيّدهُ بروحٍ منه ، ولترفعنّ اثنتا عشرة رايةً مشتبهة ، لا يدرى أيٌّ من أي ، قال:  فبكيتُ ثم قلت فكيف نصنع ؟ قال: فنظر إلى شمسٍ داخلةٍ في الصفّة  فقال: يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس !، قلتُ : نعم ، فقال: والله لأمرنا أبيَنُ من هذه الشمس}

تكفأن: كناية عن اضطرابهم وتذللهم في الدين لشدة الفتن

فالأئمة(ع) لم يدعونا في جهالة بل بينوا لنا دورنا ومسؤولياتنا في زمن الغيبة ورسموا لنا ما يجعلنا في مأمن من هذه الرايات الضالة .

إن هذه الرواية لم تذكر بأن صاحب كل راية من هذه الرايات يدّعي

بأنه المهدي أو يدّعي النيابة ، فكِلا الإدعائين ضلال وكذب

لكن المُلاحظ بأن دعاوى المهدوية بارزة عند أهل السنة والجماعة، أما دعاوى النيابة والسفارة هي البارزة عند الشيعة ،  لأن المهدي في ثقافة المذهب الآخر هو إنسان عادي يولد في آخر الزمان ، يُصلح الله أمره وهو يصلح أمر الدين

فهذا العنوان يمكن أن ينطبق على أي شخص

أما عند الشيعة فالروايات تكاثرت على علامات حتمية ، فمَن يدعي الحق وأنه المهدي قبلها فهو كذاب 

أيضاً أن المهدي في عقيدتنا معصوم ، عالم بعلم الكتاب لا يُعجزه شيء،  وله ولاية تكوينية ، فإذا ظهر وادعى ولم تكن على يديه تلك الأمور فإنه يُكذّب، و لا يوجد أحد يقول (أنا المهدي) دون أن يستطيع أن يثبت كما أثبت أباؤه لياقتهم للإمامة

إنما ابتلينا بدعاوى النيابة والسفارة، وقد مضى على الشيعة قرون طويلة بتكذيب مَن يدعي النيابة والسفارة في الفترة ما بين وفاة السفير الرابع إلى ما قبل الصيحة والسفياني 

فبعد الصيحة والسفياني ممكن أن يأتي سفير، لأنه قد ورد في  الروايات بأنه سيظهر رجل يُسمى (النفس الزكية) يُرسله الإمام المهدي برسالة شفهية إلى أهل مكة فيُقتَل ويذبحوه بين الركن والمقام في بيت الله الحرام

أما قبل الصيحة والسفياني فعقيدة الشيعة مستندة إلى ما جاءهم عن أهل البيت(ع) بأن الذي يدّعي ذلك هو كذاب ، فلا تسمع أدلته ولا تضيع وقتك حتى لو أتى بأمور خارقة ، فالسحَرة وأهل الضلال يأتون برياضات صعبة وبأمور خارقة لكنها كذب و ضلال 

-سؤال: ما الذي يجعل البعض يدّعي بأنه سفير؟

1-أولهم مَن يستهدف من هذه الدعوى تخريب عقيدة الناس والعبث بدين الناس ، وقد سجل التاريخ بعض هذه النماذج، مثل: الذي ادعى النيابة المسمى بأبو دلف الكاتب فهو ملحد ، ثم تحول من ملحد إلى مغالي ثم إلى سفير الإمام

فالملحد كافر والمغالي كافر ، فكيف يكون من كفر إلى كفر ثم إلى أن يمثّل الإمام

وأيضاً مثل :محمد بن نصير النميري هذا كان يستهدف العبث بعقيدة الناس فادعى النيابة

2-قد يكون السبب هو بساطة الإنسان وسذاجته،  فالبعض عنده انكباب على الجانب العبادي دون وعي ودون بصيرة، و لو قلتَ له : (كأن الإمام سيختارك أن تكون أنت سفير)  فيُصدق ، ولو رأى رؤيا في النوم فيُصدق، ولو جاء إليه رجل وقال له : أنا المهدي وأنت سفيري ، فيصدق

فهؤلاء نعم قلة لكن وجد منهم 

3-حب الظهور والسلطة والمنزلة والمكانة ، لأن إذا ثبت هذا المنصب ، فإنه يقول للفقهاء(لا حاجة لنا بكم) وأن هناك شخص مباشر موكّل من عند الإمام

فالذي يدّعي هذه النيابة ، يبدأ أولاً بالفقهاء ليُبعد الناس عنهم،  لأنه يعلم أن الفقهاء بحسب تعليمات أهل البيت(ع) سيكذبون أمثال هؤلاء

وهناك رواية عن الإمام الصادق(ع) يطرح فيها نموذج عن شخص أراد السلطة و الوجاهة والمنزلة ولو بدعاوى وافتراءات

عن الإمام الصادق(ع) قال: {كان رجلٌ في الزمن الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها ،  وطلبها من حرامٍ فلم يقدر عليها ، فأتاه الشيطان فقال له :يا هذا إنك قد طلبت الدنيا من حلال فلم تقدر عليها وطلبتها من حرام فلم تقدر عليها ، أفلا أدلّك على شيء تكثر به دنياك وتكثر به تَبعتك \مَن يتبعك\ قال: بلى، فقال له: تبتدع ديناً وتدعو إليه الناس ، ففعل فاستجاب له الناس فأطاعوه فأصاب من الدنيا \حصل على وجاهة ومال\ ، ثم إنه فكر فقال: ما صنعتُ! \ماذا فعلتُ بنفسي!\، ابتدعتُ ديناً ودعوتُ الناس، وما أرى لي توبةً إلا أن آتي مَن دعوته فأرده عنه، فجَعَل يأتي أصحابه الذين أجابوه فيقول لهم: إن الذي دعوتكم إليه باطل وإنما ابتدعته  \ أي أنه جاء إلى الذين صدقوه وقال لهم بأن هذه القصة كلها من تأليفي فأنا صاحب الكذبة واعترف بكذبي\ فجعلوا يقولون له : كذبتَ و هو الحق ولكنك شككتَ في دينك فرجعت عنه ، فلما رأى ذلك عمد إلى سلسلة فوتد لها وتداً ثم جعلها في عنقه وقال: لا أحلّها حتى يتوب الله عز وجل عليّ، فأوحى الله إلى نبيٍ من الأنبياء: قل لفلان: وعزتي وجلالي  لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك ما استجبتُ لكَ حتى تردَّ مَن مات على ما دعوت فيرجع عنه }

فصاحب البدعة لا تُقبل توبته ، لأنه ليس فقط أفسد نفسه وظلم نفسه بل أفسد غيره

فهناك مَن يلجأ إلى هذا الطريق بداعي أن تكون له سلطة و وجاهة و منزلة

4-حب المال ، و قد ورد في التاريخ مَن ادعى السفارة طمعاً بالمال

مثل : أبو طه محمد بن علي بن بلال البلالي الذي امتنع أن يدفع أموال الأخماس التي لديه لسفير الإمام وادعى بأنه الوكيل طمعاً في المال

وأيضاً بعد استشهاد الإمام الكاظم(ع) امتنع كبار وكلاء الإمام مثل علي بن أبي حمزة البطائني و مالك بن زياد وغيرهم عن دفع أموال الأخماس للإمام الرضا(ع)،  وقالوا: بأن الإمام لم يمت وبأنه هو القائم الموعود ، و تعذروا للرضا(ع) بقولهم:  (إنا روينا عن آبائك أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله \وأبوك قد استشهد في بغداد وأنت في المدينة، إذاً هو قدغاب و لم يمت\

فأجابهم الإمام وأفحمهم بقوله: { فأخبرني عن الحسين(ع) كان إمام أو كان غير إمام؟، قالوا : كان إمام، قال: ومن ولي أمره ! قالوا: علي بن الحسين(ع)، قال: علي بن الحسين كان أسير في الكوفة، فقالوا : أن الله طوى له الأرض وجهز والده ثم رجع ، فقال(ع) : إن مَن مكّن علي بن الحسين فقد مكنني ، لكن علي بن الحسين كان أسيراً وأنا لم أكن أسير}

طبعاً حاول هؤلاء أن يستميلوا بعض أصحاب الإمام الرضا(ع) و وعدوهم بقسم من الأموال على أن يكونوا معهم

إذاً قد تنشأ بدع سببها حب المال مثل الواقفية

5-الحسد ، ولدينا نماذج في التاريخ، مثل: محمد بن علي الشلمغاني المسمى(ابن أبي العزاقر)  هذا الرجل كان فقيه وكانت بيوت الشيعة مليئة بكتبه ، وقد توقّع الناس أن يكون هو السفير الجديد ، وإذ بالسفارة تكون للحسين بن روح ، فلم يتحمل هذا الخبر وحسده فادعى ما ليس أهلاً له وخرج في حقه اللعن

الشلمغاني هو نفسه لديه اعتراف يقول فيه: [ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح في هذا الأمر إلا ونحن نعلم فيما دخلنا فيه لقد كنا نتهارش على هذا الأمر كما تتهارش الكلاب على الجيف]

فهو يعترف بأنه قد حسد ابن روح على منصبه

6-جهات معادية واستخبارات عالمية ، فقد ظهرت في إيران دعوى السفارة البابية وانتهت بدين جديد والذي هو البهائية

فهؤلاء يؤمنون بنبوة النبي(ص) لكن يقولون أنه خاتم الأنبياء ليس بمعنى أنه آخر نبي ، وأن خاتم بمعنى زينة وتزيّن

وقد ورد في التاريخ بأنهم لاقوا دعماً من السفارة الروسية في إيران ، فلما هاجر صاحبهم إلى فلسطين  رعوه الصهاينة وأكملوا المسيرة

ففي كثير من الأحيان يكون هناك جهة معادية إما تريد أن تحرّف الدين أو تريد أن تشغل المؤمنين و تبعثر أوراق اهتمام المؤمنين  فالمهم أن تُحقق أهدافها من خلال البدع التي تظهر وتدعم تلك البدع .

كيفية مواجهة الشيعة لادعاءات بدعة السفارة

مما قامت عليه الضرورة في مذهبنا أن الإمام الثاني عشر (روحي فداه) سيغيب غيبتين، غيبة كبرى وغيبة صغرى، وأن المائز بين الغيبتين هو وجود سفراء بينه وبين الناس في غيبته الصغرى وتوقف السفارة وانقطاعها التام في عصر الغيبة الكبرى

وقد تسالم أتباع المذهب على تكذيب أي دعوى للسفارة، واتّقاء ومقاطعة أصحابها بعد إقامة الحجّة تلو الحجة عليهم

وبين يدينا مجموعة من الشواهد على كيفية مواجهة الشيعة لهذه الدعاوى

ذكر الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتابه (الغيبة) أن شخصاً يسمى بأبي محمد الشريعي هو أول مَن ادّعى السفارة فلما انكشف كذبهُ لعنته الشيعة وتبرأت منه

وذكر أيضاً أن ممن ادعى السفارة (أحمد بن هلال الكرخي) فإن الشيعة لما أقاموا عليه الحجة في بطلان دعواه عانَد في ذلك ، فلعنوه وتبرءوا منه

ومنهم (محمد بن علي بن بلال) فإنه ادعى كونه وكيلاً عن الإمام ولم يسلّم الأموال التي لديه إلى السفير الثاني، فلما ظهر منه العناد والتمسّك بالأموال تبرّأت الجماعة منه ولعنوه

وقد ادعى السفارة (ابن أبي العزاقر الشلمغاني) وشاع أمره في بعض العوائل فلما تبيّن كذبه وخداعه ، واجهه السفير الثالث

فلم يبقى أحدٌ إلا وتقدّم إليه الشيخ أبو القاسم (الحسين بن روح) وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه وممن يتولاه ورضي بقوله أو كلّمه فضلاً عن مولاته

وهذا المبدأ ، أي مبدأ اتّقاء أهل البدع من خلال مقاطعتهم لم يأتِ به الشيعة من عند أنفسهم ، بل هو المبدأ الذي سنّه الأئمة (ع) في التعامل مع المعاندين من أصحاب البدع.

فقد ورد في الخبر عن محمد بن عاصم أنه قال: سمعت الرضا(ع) يقول:{يا محمد بن عاصم بلَغَني أنك تُجالس الواقفة؟ قلتُ:نعم جُعلت فداك أجالسهم وأنا مخالفٌ لهم ، قال: لا تجالسهم  فإن الله عز وجل يقول "وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَ يُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً " }

أيضاً من الأساليب التي اتبعها الشيعة في مواجهة الدعاوى والإدعاءات هو محاصرتهم ، وهي خطوة مهمة قام بها النبي الكريم(ص) مع مَن تخلّف عن القتال بين يديه

فقد ورد أن النبي (ص) قد خرج مع عساكر المسلمين  جهاداً في سبيل الله ، لكن تقاعس و تخلّف عن القتال ثلاثة من المؤمنين وليس من المنافقين وهم (كعب بن مالك ومرارة بن ربيع وهلال بن أمية) لكنهم ندموا بعد أن خرج النبي من المدينة

و بعد أن مضت الأيام ورجع النبي(ص) من غزوته جاؤوا ليعتذروا  منه ، فلم يكلمهم النبي(ص) و كذلك نهى الناس عن مكالمتهم،  فاجتنبهم الناس وقاطعوهم حتى أزواجهم وأولادهم لم يكلموهم  فضاقت عليهم الأرض بما رحبت

وبقوا على هذه الحال خمسين يوم حتى نزلت التوبة عليهم

فقال تعالى فيهم "وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَ ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "

إن محاصرة هذه الجماعة تجعل من الآخر لا يتأثر بهم

إن العقلاء عملياً يلجؤون إلى هذا الأسلوب،  لأنهم يريدون أن يضغطوا على المخطئ حتى يرجع عن خطأه ، و يريدون للإنسان الذي قد يقع في الخطأ بأن يحذر وينتبه

وإن مسيرة الأئمة تقول بأنهم لم يبدأوا بهذا الأسلوب  بل في البداية حاوروا وناظروا المبتدعين ثم بعد ذلك اتبعوا أسلوب الحصار  ، وفي بعض الأحيان قد يصدر حكم باللعن عليهم من قبل المعصوم ، فهنا هذا الإنسان (لا يُرجى رجوعه وإصلاحه) فالإمام لا يلعن إلا إنسان من أهل النار

إذاً هذه الخطوات قام بها النبي الكريم(ص) وقام بها الأئمة لحفظ عقيدة الناس.

ولابد أن نرجع إلى النبي(ص) وأهل البيت(ع) ليبينوا لنا كيف نتعامل مع أهل البدع

هناك رواية صحيحة سنداً ، وكل رواة هذه الرواية هم من الإمامية العدول الذين نُصّ على وثاقتهم  وهي صحيحة (داوود بن سرحان) نستخلص منها آلية وكيفية التعامل مع أهل البدع في كل زمان ومكان

عن داوود بن سرحان ،عن أبي عبد الله(ع) قال: {قال رسول الله(ص) إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبّهم والقول فيهم والوقيعة وباهِتوهم كي لا يَطمَعوا في الفساد في الإسلام،  ويحذرهم الناس ولا يتعلّمون من بدعهم ،يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة}

هذا منهج النبي (ص) قدمه لنا في كيفية التعاطي مع أهل البدع ،

المسألة الأساسية في هذه الصحيحة هو التركيز على المعركة العلمية حيث قال {وباهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الإسلام}

طبعاً هم يشنّعون علينا بهذه الرواية ونحن نعتبر هذه الصحيحة منهجاً للتعاطي معهم

فهم يقولون :أنتم أهل البهتان والافتراء لأنكم تعتمدون على هذه الرواية وفيها {وباهتوهم} من البهتان، والبهتان: هو القول في الغير بما ليس فيه )

لكننا نقول لهم: هنا {وباهتوهم} من "فبُهِتَ الَّذِي كَفَر" وهي من المباهتة والتحير، يعني اجعلوهم في حيرة من أمرهم من خلال البرهان والحجة

فهنا {وباهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الإسلام} بمعنى مواجهتهم بالحجة والبرهان كما فعل نبي الله إبراهيم(ع) مع نمرود "فَبُهِتَ الَّذِي كَفر" وتحير بعد أن أقام نبي الله البرهان القاطع

فإذاً الوظيفة الأساسية الأولى هي المعركة العلمية، و مناقشة هؤلاء وإبطال دعواهم وآرائهم وأيضاً تسليط الضوء على هذه العقائد المنحرفة التي يعتمدون عليها

فأولاً نحن ندعو أن يكون هناك تعاطي هادئ وعلمي مع هؤلاء لأن البعض يمكن أن يكون في شبهة والبعض لا يعي خطورة هذه المسألة

وإن المعركة العلمية تحتاج أن يمتلك هذا الإنسان المتصدي كفاءة علمية وقدرة على البيان وأسلوب مناسب في المحاججة

أيضاً الدعوى إلى الحوار والمناظرة فهذا منهج أهل البيت(ع)

حيث كان أهل البيت(ع) يتعاملون مع الإنسان المبتدع بالحوار والمناظرة ، فإما أن يرسلوا له شخصاً يناظره ويحاوره وإما أن يتصدى المعصوم بنفسه لمناظرة ومحاورة هؤلاء ، هذه المناظرة تحتاج إلى أسلوب علمي وتنم عن قوة الحجة

فالمعركة العلمية هي الأساس حتى يبهُت هؤلاء ويقعوا في الحيرة بعد أن يروا ساطع البرهان

لكن إذا عاندوا بعد ذلك وكابروا هنا تأتي المعركة النفسية والتي يعبر عنها بالحرب النفسية، وهذا ما أشار إليه النبي(ص) حينما قال: {وأكثروا من سبهم والقول فيهم و الوقيعة}  وهنا المراد بسبهم ليس القول القبيح المذموم والفحش، بل المراد بالسب هنا كما يقول المازندراني في كتاب (شرح أصول الكافي): المراد بسبهم الإتيان بكلام يوجب الاستخفاف بهم، فالسب يعني الذم الذي يوجب الاستخفاف وليس معنى ذلك اتهامهم بما ليس فيهم  \فإذا قلت لأهل البدع مثلاً هذا الرأي سخيف وتافه فهذا هو السب\  فبيان هذا الواقع الفاسد عند أهل البدع هو السب

ويقول الشهيد الثاني في تعليقه على هذه الفقرة [يصح مواجهتهم بما يكون نسبته إليهم حقاً لا كذباً ]

فمعنى السب والوقيعة أي أن نبين لهم ما هو فاسد في واقعهم ، فهناك فرقٌ بين {أكثروا من القول فيهم}  وبين (أكثروا من التقوّل عليهم)  وإن مسألة الحرب النفسية هي مسألة مهمة في حال المواجهة والتصدي

النقطة الثالثة في هذه الرواية هي {فأظهروا البراءة منهم}

التبري منهم أي المقاطعة والتحصين

فهم الآن يقولون بأن المقاطعة تأتي من خلال فتاوى مستوردة و هذا الأمر غير صحيح ، وأساساً إن الأمر هنا فيه بيان العلماء قد سبق فتاوى الفقهاء، لأن تحرك العلماء ومناقشة العلماء معهم كان قبل فتاوى الفقهاء

و نحن نأخذ هذه التعليمات من النبي(ص) بالبراءة من أهل البدع والريب قبل أن نأخذها من الفقهاء حيث قال:  {إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم} هذه هي المقاطعة والمفاصلة بيننا وبينهم ، لأن في إظهار البراءة منهم تحصين للمجتمع وعدم تمكين هؤلاء من مجتمعنا

بالإضافة إلى التحصين تكون البراءة منهم وسيلة من وسائل النهي عن المنكر والردع لهؤلاء حتى لا يكون هناك تمادي في هذا الضلال

أيضاً النقطة الرابعة التي نستفيدها من هذه الرواية هي مسألة الجانب والبعد الإعلامي حيث قال(ص) {ويحذرهم الناس ولا يتعلّمون من بدعهم}  فنوصل الفكرة للناس من خلال الإعلام، بحيث نحتاج إلى جهاز إعلامي يتصدى لهؤلاء وباطلهم من خلال الرد العلمي حتى يتعرّف الناس على هذا الباطل فيجتنبوه و لا يتأثروا بهذه البدع

فهذه هي المنهجية التي بيّنها لنا رسول الله(ص) و التي ترتكز على أربع ركائز في التصدي لأهل الريب والبدع ومواجهتهم .

 

-العناصر المشتركة بين أدعياء السفارة والمهدوية هي:

١ ـ يكون المدعي للسفارة أو المهدوية هو مصدر  العلم بالسفارة أو المهدوية ولا دليل آخر عليه، وهذا لا يمكن أن يصح، لأن هذه الدعوى تتضمن بعداً دينيا ذا طابع تكليفي، فكيف  يصح توقف الدليل على المدعي نفسه، على أن دعواه نفسه مبنية على ادعاء الرؤيا أو الكشف، وهذا ليس حجة له فضلاً  عن غيره                                                                         

 مما يعني وجود خلل واضح في إثبات المدعى فيحتاج إلى حيل وطرق إقناع ملتوية لا علاقة لها بأصل الدعوى، كما حدث واقعاً، حيث أن جماعة من المصدّقين ببعض أدعياء السفارة إنما صدقوه لأنه أخبرهم بأن الإمام سيبعث لهم بركة، فجاءهم عدة مرات من يطرق الباب على نسائهم ويعطيهنّ طحينا أو كبشا ويقول لهنّ: هذا من بركة الإمام. فيثبت عندهم المطلوب، وهذا عين الدجل حيث الاستغفال التام، لأن الدليل ليس متعلقا بالدعوى نفسها، ولا يثبتها بل يثبت عكسها تماماً لو تأملوا قليلاً                        

٢ ـ ترك الفروض الشرعية والدعوة للإباحية كما يفعل صوفية أهل السنة بقولهم إن من وصل للحقيقة سقطت عنه التكاليف،وقديصل بعضهم لدعاوى أكبر من ذلك                   

٣ ـ الوفرة المالية و توزيع الأموال فور ادعاء السفارة أو المهدوية،  وهذه ظاهرة مهمة ويجب أن تدرس. فإن كل هؤلاء الأدعياء يعلنون عن قدراتهم الهائلة في اختلاق المال ببركة الإمام!!  وتوزيع الأموال بشكل جنوني، وبعضهم يعمد إلى جر أبناء الأغنياء لشبكته ليجعلهم درعاً حين يشكك الناس في مصادره المالية لينسب المال للأغنياء أنهم من ساعده، بينما في الحقيقة هو مَن يمد أبناء الأغنياء بالمال، خلافا لرأي ومعرفة أهلهم. وهذا موقف مشترك ويحتاج إلى توقف وتفكير في هذه الحركة وأهدافها ومن أين تستمد وتعتمد على روافدها المالية.                                                                            

٤ ـ استخدام أسلوب التوريط المالي أو الأخلاقي لمن يقع بيدهم من أولاد الأغنياء وذوي الوجاهة العشائرية والاجتماعية ليتقيدوا بما يريدون مستغلين خوفهم من الفضائح ليتحولوا إلى بوق متحمس يختلق الكرامات والمعاجز التي لا واقع لها من أجل عدم كشف الحقائق التي تسقطهم أمام عشائرهم وإخوانهم وأصدقائهم.                                                                       

٥ ـ الانتقال الفوري إلى الحركة الدموية المسلحة و محاولة اغتيال كل مخالف لهم أو كاشف لعدم صحة دعواهم، وذلك بعد أن يتكوّن عنده جماعة تفوق العشرة أشخاص بقليل أو كثير في المنطقة التي يدعو فيها لنفسه ثم ينقلب إلى التخويف والعنف، فكل مَن يطالبهم بالدليل أو يناقشهم نقاشا محرجاً يقولون عنه انه عدو الإمام عليه السلام، و يجب قتله على الطريقة الحزبية المخابراتية التي عرفها الناس، التي ملخصها إن إحراج الحزبي يعني دفعه للتفكير بقتل المحرِج (شخصيا أو معنويا).                                                     

٦ ـ مداراة أعداء أهل البيت والدفاع حين ينتقدُ أمامهم الوهابية بأشخاصهم وأفعالهم، وهذا ملموس منهم بشكل واضح، مدعين بأن نظرية وحدة الوجود  لا تسمح بهذا التفريق مع هؤلاء فقولهم كله من الله وواحد  وانه لا يتنافى مع الحق، بينما نظرية وحدة الوجود تسمح بالدعوة لقتل رجال الدين الشيعة باعتبارهم أعداءهم!!!! ولا يوجد في هذه الوحدة أي مجال للتسامح مع رجال الدين الشيعة، وهنا يتبين أين تسير هذه الحركات ومع مَن هي ومن يمولها ويزودها بالأفكار الساقطة؟              

٧ ـ عرض الإمام المهدي عليه السلام كرجل دموي إرهابي وليس قائد حركة إصلاحية ليعم السلام والأمن العالم كله. بل هو رجل الفوضى الأمنية عندهم والقتل على الشبهة. وتحريف مفهوم انتقام الإمام من أعداء التشيع ومن قتلة الشيعة إلى كونه قاتلا لكل إنسان وسيقتل بلا ضوابط قانونية أو دينية، وهذا تحريف لقضية مهمة جداً وهي إن الإمام عليه السلام سيدافع عن المؤمنين حين يتصدى له أهل الضلال وأرباب الحكم وسوف يبيدهم بالمعاجز الربانية وغيرها، ولم يرد أنه سيقاتل العالم أبدا إنما ستقع حروب محلية مع المجرمين المعروفين في ذبح أهل البيت عليهم السلام على مدى القرون، بينما النص صريح بأن الإمام سيملك جميع الأرض من دون ذكر لأي حروب عدا ما يحدث في الجزيرة والعراق والقدس. فكل ما يروج بين أتباعهم من دموية الإمام لا صحة له، وإنما هي موظّفة تماما لقتل علماء الشيعة كوظيفة استثنائية من قبل الممولين (أعداء آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم).                     

٨ ـ تتركز دعوتهم العدوانية بادعاء أن مهمة الإمام هي قتل علماء الشيعة وقياداتهم المتدينة في مذهب أهل البيت عليهم السلام.                                                               

٩ ـ التلاعب بالنصوص من أجل إقامة براهين على صحة دعواهم بدون أي ضوابط لعلم الدلالة أو للظهور من النصوص ومعالجتها العلمية حسب قواعد اللغة العربية                                 

١٠ ـ إخفاء كل النصوص التي تحتوي على المعايير الصحيحة للظهور، والتهرب من أي بحث فيها، أو تطبيق هذه المعايير على حركاتهم، وقد وصل ببعضهم الغضب والتهديد أو الاغتيال لمجرد طلب تطبيق المعايير وطلب إقامة الأدلة، وبالنسبة للأتباع السائلين بلطف فإن أسلوبهم معهم في التعليم هو نفس الأسلوب الكنسي بمنحهم أنصاف إجابات بل أرباعها بشكل غامض، ولكنه مغلف بطابع من التقديس وادعاء حرمة تجاوز الخط الأحمر، لتكون الإجابة عبارة عن تدمير السؤال مهما كان معقولا ومطلوبا عقلا وشرعا.  مثلا لو سأل أحدهم عن فحوى قول الإمام عليه السلام في التوقيع المحتج به شرعا وعلاقته بتكذيب دعوى المشاهدة والسفارة                                               

فسيقول لك: إن الإمام يعرف الكذابين ولهذا حذرنا منهم بينما هو يدعو لمناصرة النور الذي بين أيدينا بحمد الله وهو نوره فمن أنكره فهو عدو للإمام والعياذ بالله .. وهكذا نجد أشباه أجوبة لا علاقة لها بالموضوع. تبعد سامعها عن التفكير في نفس السؤال مع إن السؤال وجيه، والجواب ليس بجواب على الموضوع مطلقا. بينما نجد أن علماءنا قد أوضحوا كل المحتملات في فهم النصوص، وليس فيها احتمال واحد يخدم دعوى مدعي السفارة.                                                                      

١١ - ظاهرة السرية المستديمة رغم ادعائهم الظهور، وهذا يناقض أهم معيار وهو إذا حصل الظهور فلا يقوم بوجه الإمام عليه السلام شيء ولا سرية في دعوته عند ذاك.                                                                

١٢ ـ القفز على الدين وادعاء المرجعية من خلال درس بضع سنوات، وربما لم يدرس إطلاقا، مدعيا العلم اللدني وإصدار الفتاوى والتصدي لقيادة المجتمع باسم المرجعية الجديدة، مع أن بعض الفتاوى لا يقول بها مسلم، وما تلك إلا لدعوى التأسيس لدين جديد تحريفا لمقولة تصحيح الدين الذي يقوم به الإمام عليه السلام وتحويل هذه المقولة إلى نسخ الشريعة وقلبها بخلاف الفطرة والدين الصحيح                                                

 

 

-التوصيات الأساسية للتعاطي مع أهل البدع ومدعو السفارة

1-التحصين العقائدي وترسيخ البُعد العقائدي على مستوى التأصيل \ فنحن لدينا تأصيل وترسيخ ولدينا رد شبهات \

نحن نتحدث على مستوى التأسيس المعرفي العقائدي لأصول الدين، فهذا التأسيس القوي يمثل الضمانة والحصانة عن الانحراف ، ثم نذهب بعد ذلك إلى مسألة رد الشبهات لترسيخ هذا المحتوى العقائدي في هذا الجانب

2-الارتباط بخط الفقهاء والمرجعية والعلماء ولابد أن يكون هذا الأمر واضح في عصر الغيبة الكبرى

فأساساً الغرض من هذا التحرك، هو إسقاط مرجعية الفقهاء والعلماء ، و كل هذا المشروع الغرض منه إسقاط مرجعية الفقهاء والعلماء  ، ونحن لابد أن نقطع عليهم هذا الغرض من خلال التمسك بخط الفقهاء والعلماء والمحافظة عليه لأنه أمر من المعصوم

فبالتالي مخالفة العلماء والفقهاء في واقعها هي مخالفة للإمام المعصوم

طبعاً نحن نعرف بأن الفقهاء ليسوا معصومين لكن هذا ما أمرنا المعصوم باتباعه ، فبالتالي مخالفة الفقيه هي مخالفة للمعصوم ، لأنه هو الذي أمرنا باتباع المعصوم ، وإن عدم الاتباع للفقيه يعني عدم الاتباع للمعصوم

أيضاً لابد أن نمتلك القدرة على إقناع الآخرين ويكون عندنا محتوى ومضمون علمي،  ونحتاج إلى أسلوب مناسب لإيصال هذه الأفكار للآخرين وإقناعهم .

 

-ميزات القضية المهدوية

1-تواتر الأحاديث فيها حتى بلغت حدّ البداهة والوضوح وأصبحت مُرتكزاً من مرتكزات عقائد الشيعة ، فلا يوجد شيعي يُنكر قضية الإمام القائم في آخر الزمان

2-كثرة الروايات التي تجعل من قيمة الانتظار محوراً حيوياً في القضية المهدوية، والغرض من ذلك توطين النفوس على الأمل والانتظار  وبث روح الطمأنينة في قلوب الشيعة

إذ يوجد عشرات الروايات التي أكدت على قيمة انتظار خروج الإمام (ع)

وسنورد مجموعة من الروايات التي تبيّن تقصّد أهل البيت(ع) في تعميق مفهوم الانتظار

-الرواية الأولى: عن أبي بصير ،عن أبي عبد الله (ع) أنه قال ذات يوم: {ألا  أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العباد عملاً إلا به ، فقلتُ: بلا ، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده والإقرار بما أمر الله ، والولاية لنا والبراءة من أعدائنا ، والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائم (ع) }

ثم قال: {إن لنا دولةً يجيئ الله بها إذا شاء ، فمن سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر ، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر مَن أدركه ، فجدّوا وانتظروا هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة}

-أيضاً رواية معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله (ع) قال ، قال رسول الله (ص):  {طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتدٍ به قبل قيامه يتولى وليه ويتبرأ من عدوه ويتولى الأئمة الهادية من قبله، أولئكَ رفقائي وذووا ودي و مودتي وأكرم أمتي عليّ}

-وهناك رواية في (كمال الدين وتمام النعمة) للشيخ الصدوق ، عن الرضا(ع) أنه قال: {ما أحسن الصبر وانتظار الفرج أما سمعتَ قول الله عز وجل "فارتقبوا إنِّي معكم رَقيب " وقوله  "وانتظِرُوا إنِّي معكم من المنتظرين"  فعليكم بالصبر ، فإنه إنما يجيئ الفرج على اليأس فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم }

-ورواية في (البحار) عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: {والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله}

-ورواية في (عيون أخبار الرضا)  للشيخ الصدوق ، عن النبي(ص) بالأسانيد الثلاثة، عن الرضا(ع)، عن آبائه (ع)، أن رسول الله(ص) قال: {أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله تبارك تعالى}

إذاً هناك تأكيد من قبل أئمة أهل البيت(ع)  على فاعلية الانتظار

وإن هذا التأكيد يبث روح الأمل في الشيعة

لأن شيعة أهل البيت(ع) قد مروا بحالة مأساوية طوال القرون التي عاصرت الأئمة(ع) ، من سجن و قتل وتعذيب  ومصادرة الرأي و إقماع الحريات و الملاحقة و الفقر الخ..

فهذه الحالة المأساوية يمكن أن تجعل الإنسان يترك دينه وتدينه ، و تجعل الإنسان يشكك حتى في معتقداته ، فكان أهل البيت(ع) و لأجل الحفاظ على تديّن الناس واستقامة إيمانهم يبعثوا فيهم روح الأمل ويقطعوا عنهم اليأس من روح الله تبارك وتعالى

ولذلك يقول الوحيد البهبهاني في فوائده\ويرشدنا إلى سبب حدوث شبهة الوقف في بعض الشيعة\ [إن الشيعة من فرط حبهم دولة الأئمة(ع) وشدة تمنيهم إياها وبسبب الشدائد والمحن التي كانت عليهم وعلى أئمتهم من القتل والخوف وسائر الأذيات ، وكذا من بغضهم أعدائهم الذين كانوا يرون الدولة وبسط اليد والتسلط وسائر نعم الدنيا عندهم إلى غير ذلك  كانوا دائماً مشتاقين إلى دولة قائم آل محمد(ص) الذي يملأ الدنيا قسطاً ، مسلّين أنفسهم بظهوره ، متوقعين لوقعوه عن قريب وهم (عليهم السلام) كانوا يسلون خاطرهم،  حتى قيل: إن الشيعة تُربّى بالأماني\أي أن الشيعي حتى يحافظ على تدينه يُبعث في نفسه هذا الامل وهو انتظار الأمام(ع)\ ]

                                       وصلى الله على  محمدٍ وآل بيته الطاهرين