لمحات فكرية من فلسفة دعاء الندبة

 

 د. هيـفاء الأنصا ري       

    أستاذ مساعد في القياس المعرفي

 

 تمهـيد

     بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآل بيته وصحبه المنتجبين. دعاء الندبة شعيرة إيمانية مارسها شيعة آل بيت محمد عليهم السلام منذ  القرن الرابع الهجري، وقد انتهى عهد الغيبة الصغرى في الثلث الأول منه، وهو قرن زاخر بعلماء الشيعة الإمامية أمثال الش يخان الصدوق والمفيد والشريف المرتضى،  وقد توالى على نقله الثقاة من الرجال   على مر القرون، وأن )الشيخ الأعظم( العلامة مرتضى الأنصاري استعان بنصوص من الدعاء واستعملها كمادة استدلالية في فقة الشروط، وهو من المباحث الأساسية في العقود وكذلك فعل السيد الخوئي رضوان الله عليهم في الا ستدلال. 

      بقراءته  يجدد الموالي العهد والبيعة مع رسول الله وآل بيته الأطهار، وتغمره مشاعر المودة والشوق للقياهم تارة، والحزن والأسى على ما كابدوه من الظلم والتنكيل تارة أخرى. 

 وعند تحليل  نصه ، أجد أنه صيغ بدقة متناهية وفقاً لأسس ومبادئ علمية حدي ثة لم تنكشف إلا مؤخراً، هذه المبادئ تختص بحقائق علم النفس وتحديداً قوانين النظرية السلوكية، وقوانين النظرية المعرفية في تشكيل السل وك (1) ، بالإضافة إلى تحديد مستوى الدافعية وفق نموذج التوقع في النظرية المعرفية )2( ، والتي ثبتت علمياً مؤخرا وتحديدا في المنتصف الثاني من القرن العشرين، أي بعد هذا الدعاء بألف سنة.  وقد ألفنا تطابق الحقائق العلمية الحديثة مع ما ورد في النصوص الإسلامية ،  بوصفها  دليلاً  علمياً  في  إعجاز القرآن  الكريم ، وكذلك  في النصوص الواردة  من نبينا الأكرم وعترته الطاهرة.  وهو منهج تطبيقي  يحوي  مقومات جوهرية لاستمرار المذهب من سلوك منظم يتناغم فيه الفكر  والعقيدة،  والعاطفة  والوجدان .

 دور الفلسفة الإسلامية في تفسير الدعاء  

    الدعاء هو سر من أسرار الله والغيب ، وعندما نقول سر أي أنه غير قابل للتفسير بصورة كاملة  ،إذ  كلما اجتهدنا لمعرفة جانب يبرز لنا جانب آخريحتاج الفهم والتفسير.    وفلاسفة الإسلام أمثال ابن سينا وملا صدرا وغيرهم عملوا على توضيح جوانب عدة  فى  فلسف ة الطاعات  وتاثير الدعاء فى انجاح المهما ت.  كما  تضم نت  بحو ثهم   فحص  العلاقة ما بينالدعاء والإجابة،  هل هي علاقة سببية أم علاقة معنوية؟   والعلاقة السببية هي علاقة علةومعلول، سبب ونتيجة، أي وفقاً لهذه العلاقة أننا ندعو الله فنؤثر في إرادته  ويستجيب لنا. أما العلاقة المعنوية فهي علاقة يشترط فيها توافر )عدة شروط (، وفيما يتعلق  بالدعاء، هي علاقة ارتباطية طردية، بمعنى كلما زاد توافر شروط الدعاء كلما زاد احتمال إجابته، وكلما قلت الشروط قل احتمال الإ جابة.  

     مثال لتوضيح القصد، شخص جاء من أدغال الغابات لأول مرة إلى المدينة،  ويرى الناس يقودون مركباتهم وعندما يظهر الضوء الأحمر في إشارة المرور تتوقف المركبات في ذلك الاتجاه  .تفسيره لهذا الأمر بحسب قانون العلة والمعلول أن الضوء الأحمرهو علة وقوف السيارات. ولكننا  كأفراد عشنا في المدن نعلم بأ نه ليس للضوء الأحمر أي تأثير ميكانيكي على السيارة،  وإنما  الضوء الأحمر هو  ) رمز (  لقائد المركبة بضرورة الايقاف  ،فيستجيب بإرادته ويستخدم قدرته ويضغط على دواسة الكابح، الذي بدوره يؤدي حركة ميكانيكية توقف السيارة، حيث أن الحركة الميكانيكية للكابح هي علة توقف السيارة )المعلول(،  ولكن معرفة الرمز )الضوء الأحمر( هو شرط حدوث هذه العلة . 

      وفي باب من يستجاب دعاؤه ومن لا يستجاب، في بحار الأنوار ينقل العلامة المجلسي عن الشيخ ابن سينا النص التالي "  سبب إجابة الدعاء توافي الأسباب معا لحكمة إلهية وهو أن يتوافى سبب دعاء رجل فيما يدعو فيه، وسبب وجود ذلك الشئ معا عن الباري فان قيل: فهل يصح وجود ذلك  الشئ من دون الدعاء، وموافاته لذلك الدعاء؟ قلنا: لا، لان علتهما واحدة،  وهو الباري الذي جعل سبب وجود ذلك الشئ الدعاء كما جعل  سبب صحة المريض شرب الدواء، وما لم يشرب  الدواء لم يصح، وكذلك الحال في الدعاء وموافاة ذلك الشئ فلحكمة ما توافيا معا على حسب ما قدر  وقضا، فالدعاء واجب وتوقع الإجابة واجب، فان انبعاثها للدعاء يكون سببه من هناك ويصير الدعاء سببا للإجابة، وموافاة الدعاء لحدوث الامر المدعو لأ جله  هما معلولا علة واحدة، وربما يكون أحدهما بواسطة الآ خر" (3).

      ويؤيد ملا صدرا قول الشيخ ابن سينا ويذكر في كتابه )مجموعة الرسائل التسعة("  وقد يتوهم أن السماويات تنفعل من الأرضية، وذلك أنا ندعوها فتستجيب لنا، ونحن معلولها وهي علتنا، والمعلول لا تفعل في العلة البتة، وإنما سبب الدعاء من هناك أيضا لأنها تبعثنا على الدعاء، وهما معلولا علة واحدة، وإذا لم يستجب الدعاء لذلك الرجل، وإن كان يرى الغاية التي يدعو لأجلها نافعة فالسبب فيه أن الغاية النافعة إنما يكون بحسب نظام الكل، لا بحسب مراد ذلك الرجل، فربما لا تكون الغاية بحسب مراده نافعة، ولذلك لا يصح استجابة دعائه" )4(.  كما يشرح الملا صدرا العلاقة المعنوية بقوله"  أن الاشياء الداخلة فى وجود الانسان كالعلم و القدرة و الإرادة من جملة اسباب الفعل ، فالحدس ان الامور الخارجة أيضا،  كذلكفي  الدعوات و الطاعات ما جعله هاللّ دواعى الى الخير و مهيجات الى الاشواق و كذلكالسعى و الجد و التدبير و الحذر اذا قدرت مه هيئه لمطالبنا موصلة ايانا الى مقاصدنا مخرجة لكمالاتنا من القوة الى الفعل ،  و جعلت اسبابا لما يصل إلينا من ارزاقنا و ما قدر لنا من معايشنا و معائدنا لم يحصل لنا ذلك الا بها و اما الثانى فحيث ان هاللّ عز و ج هل علمنا و أمرنا به وحثنا عليه فى قوله تعالى )ادْعُونِي أسَْتجَِبْ لكَُمْ ( فالدعاء وما يستجاب كلاهما من أمر هاللّ و لسان العبد ترجمان الدعاء" )4(. 

 

بعض شروط التوجه للدعاء 

1-   التعود على الأنس بالله ومناجاته والسعي إلى التقرب منه:  

      في الإسلام هناك حث على الدعاء وهذا الحث مقرون بالتحذير من عدم الدعاء، أي فيه توكيد  وإلزام المسلم بالدعاء " وقال ربكم ادعوني استجب لكم،  إن الذي يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين   )سورة غافر/60(" .    ولذلك ورد عن الرسول الأكرم والعترة الطاهرة نصوص للدعاء  في جميع الأوقات ولجميع الأفعال  )الليل،  النهار،  الشهور والمناسبات، النوم ،  الاستيقاظ ،  الشراء..( بوصفها أعمال  تنظم علاقة العبد وتقر به  إلى الله وتعود الفرد على مخاطبة الله ومناجاته. 

    والأنس بالله والخشوع )مهارة نفسية روحية( ،  وك كل المهارات يحتاج إلى معرفة ومثابرة وتكرار،  حيث أن التكرار  يساعد الفرد على سرعة التعلم وجودة التذكر ،  والتكرار يحسن الأداء )5( ، م  ثال ذلك شخص يعطى قوس وألف سهم، ويضعون أمامه هدفاً لإصابته،  فإن احتمال تصويب أداءه ودقته تزداد ضمن هذا العدد الكبير من المحاولات، وكذلك التدريب على الخشوع.   كما أن  تكرار الأذكار والدعاء يضيء القلب، إذ  يشبه  العرفاء أثر تكرار الأذكارعلى الخشوع بال جذ وة الخافتة تحت الرماد،  والتي  عندما تغطى بالقش  فيكفي أن تلتقط قشة واحدة النار لتضيء وتشتعل.  

 

2-  ألا يقتصر دعاءنا إلى الله بطلب الحوائج  

       قد تكون الحوائج وسيلة  يجذب الله بها العبد وباب يبدأ منه العلاقة مع الله  و هذا من لطف الله بعباده، وبهذا فهو يشكل جزء من الدعاء. إلا أن علاقتنا مع الله تتحدد بهدفنا من الدعاء، وهنا ينقسم الأفراد إلى فئتين، الفئة الأولى أفراد يرغبون فيما عند الله، والفئة الثانية أفراد يرغبون بالقرب من  الله. والحقيقة أن اقتصار دعاءنا بطلب الحوائج أمر غير محبب،لأن في ذلك نوع من الجفاء. بل حتى في علاقاتنا الإنسانية، تخيلوا شخص كلما يلتقي بكميطلب منكم شيء ما، أو شخص تحبونه ولكن لا يتواصل معاكم إلا إذا أراد ش يئ اً  منكم ، وهؤلاء هم أفراد الفئة الأولى. أما أفراد الفئة الثانية يظهر في سلوكهم كرم الخلق والأدب  والرغبة بغاية سامية هي القرب من  الله، ونعلم بأن الله اصطفى الأنبياء نتيجة لرغبتهم وسيعهم في القرب من  الله وحباهم بالمعجزات، وهم قدوتنا.

 

3-   التركيزعلى الغاية الجوهرية من الدعاء وهوالدعاء نفسه )غاية الفعل نفس الفعل(       وهو أن نتطلع إلى الغاية الأسمى من الحصول على ما نريد، وهي أن نصبح من أهل الدعاء والثناء والقرب من الله والتوكل على الله. وأن تزكية النفس والإخلاص في الدعاء  والعبادة تعودان على الفرد بالبركة والسداد في أم ور لم  يكن يتوقعها. وقد ثبت علميا بأن الصلاة والدعاء يعدان من أفضل أنواع التأمل، وأن التأمل يحفز العمليات العقلية الداعمة للتفكير الابداعي الذي يقود الفرد إلى إيجاد الحلول اللازمة والمبتكرة ) 6( وبالتالي قد تجلب تلاوة الدعاء بحد ذاتها الحلول للتحديات بالإضافة إلى كونها وسيلة للتوافق النفسي  وفي زيادة كفاءتنا في مواجهة الصعوبات.  

 

4-   عدم الغفلة أثناء الدعاء ويقين المؤمن بأن نتيجة الدعاء مضمونة  

    "عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يقبلُ   اللهَ دعاءَ  قل ب  سا  ه، فإذا دعوتِ  فأ قْ بِل بقل بِك ثم استيقن بالإجابة ) 7(" . أن يركز الإنسان قدر الإمكان أثناء الدعاء ويعي ما يقول، والمؤمن إذا أقبل لله بقلبه للدعاء فإنه يعلم بأنه فائز بكل الأحوال، إذ أن الدعاء بحد ذاته يمنح الانسان الهدوء والطمأنينة، ويشعره بأن الله يرغب بقربه ليرتقي إلى منزلة أعلى. فإذا دعونا واستجاب الله دعاءنا تقر أعيننا، وإن لم يستجب  لنا فإن  لدينا يقين بأن أجرنا  في جزاء الصابرين مذخورعند  الله،  وعلمنا  بحكمة الله وإرادته في تأجيل الإجابة  يساعدنا على التقبل  والتكيف النفسي.  

 

5-  اليقين من أن لله حكمة في إدارة الكون ونظمه  

    والحكمة تعني وضع  الأشياء  في مواضعها.  هناك قوانين متناهية في الدقة وضعها الله لإدارة الكون، مثلا الميكروبات  تسبب المرض، القوي يغلب الضعيف ...، وهذا يعني أ ننا عندما ندعو الله فإننا يجب أن نبتغي م نه الوسيلة في ضمن نطاق الحكمة التي يقتضيها. نقرأ في الصحيفة الس جادية دعاء الإمام  عليه السلام في طلب الحاجة )ويامن لا تبدل حكمتهالوسائل( أي رب وسيلتي هي الدعاء، ولكني أق هر بأن حكمتك نافذة، إلى أن يقول )وتولنيبنجح طلبتي وقضاء حاجتي ونيل سؤلي قبل  زوالي عن موقفي هذا بتيسيرك لي الأمور وحسن تدبيرك لي في جميع الأمور( )8( أي رب لا أعلم السبيل دلهني على على الطريق الذي يمكنني من التعامل مع هذه المشكلة. روي عن الإمام جعفر الصادق عن أبيه عليهم السلام قال: قيل لرسول الله صلوات الله عليه وآله ،" يا رسول الله رقى يستشفى بها هل تر هد من قدر الله؟  فقال إنها من قدر الله أقرب ) 9(".   ولا حظوا عدم الجزم في الإجابة لأن يد الله مبسوطة  وإمره إذا أراد شي ئا أن يقول له كن فيكون، ولكن هذا الأمر استثناء وليس قاعدة.  

6-   أن ندعو الله بصورة جماعية ومنتظمة  

   في جميع الديانات والاسلام منهم، هناك تأكيد على أداء العبادات بشكل جمعي ،على سبيل المثال الحج لا يمكن تأديته فرادى، و فضل صلاة الجماعة يفوق صلاة الفرادى بسبعين ضعف.  واشتراك الجماعة حول محور معين يضفي روحانية وخشوع يستمر أثره في روح الإنسان لفترة أطول، والأدعية الجماعية  تحافظ على وهج القلب واستمرار جذوة الشوق إلى الله متقدة، لا سيما الأدعية التي تتم في أوقات منتظمة ومحددة بصورة دورية مثل الحال في دعاء الندبة ) أسبوع يا وفي الأعياد(،  وكلما اقتر بت المعارف والمشاعر من الاضمحلال والنسيان يتم إذكاؤها وتجديدها مرة أخرى. 

     بالإضافة على تأكيد الشيخان ابن سينا والملا صدرا على تزكية النفس وأثرها في استجابة الدعاء لل خلهص من الأفراد، أصحاب القلوب المضيئة،  الخاشعين الذين أنسوا الدعاء ونالوا شرف القرب من الله ودلوا السبيل اليه.  وعندما نشترك في الدعاء مع الجماعة فإن احتمال وجود أفراد يملكون مستويات متقدمة في تزكية النفس يكون أكبر وبالتالي فإن احتمال حصول الاجابة لهم أعلى بطبيعة الحال وبذلك تنتفع كل الجماعة من هذا الفيض ويستجاب دعاؤهم .

افترضوا لو كان هناك فريق في رماية السهم يتكون من ألف شخص ، ولكل فرد منهم محاولة واحدة فقط لاصابة الهدف، ولكن من  بين هؤلاء  يوجد لدينا  عشرة  أفراد  محترفين، فأن إحصائيا يزداد احتمال اصابة الهدف وبالتالي فوز الفريق كله. 

 

الحقائق العلمية في تشكيل السلوك وتحديد مستوى الدافعية

أولاً: نموذج تشكيل السلوك والعادات اليومية وتفسيرها، وفقاً لحقائق النظرية السلوكية  في علم النفس. 

    خلصت الحقائق العلمية إلى أن سلوك الانسان تحركه الدوافع المختلفة، والتي تنشأ من حاجاته ورغباته .حيث أن نقص الحاجات والرغ بة في الحصول على الأشياء يشعران الفرد بحالة من التوتر وعدم الاتزان ،  تدفعه  لأداء بعض السلوكيات بهدف  إشباع حاجا ته  وتلبية رغبا ته وبالتالي شعوره بالاتزان والرجوع الى الوضع الطبيعي. وأن تقييم عواقب السلوك يحدد مدى تكرار هذا السلوك واستمراره أوعلى النقيض تجنب هذا السلوك بالمستقبل والام تناع عنه. وأن غالبية الأفراد في الوضع الطبيعي يميل ون إلى انتقاء السلوكيات النافعة التي تعود عليهم بالمزايا والمكافآت وكذلك السلوكيات التي تدفع عنهم الضرر وتخفض من أعباءهم على حد سواء، ويعمدون إلى تكرارها بصورة منتظمة. وكلما كان الهدف والدافع جذاباً ومحبب اً  كلما زاد إصرارهم على أداء السلوك وتكراره  .وفي المقابل  يتجنب  الأفراد السلوكيات التي قد تعود عل يهم بالضرر، سواء بتطبيق عقاب معين وكذلك تلك التي تؤدي إلى سحب مميزات يرغبون فيها، مما يقل احتمال تكرار هذا السلوك والامتناع عنه . 

     وأن ال تعود على أداء الطقوس الدينية ومنها الدعاء هي من العمليات المعرفية السلوكية التي تشعر الإنسان بالإتزان والراحة والطمأنينة ، فضلاً عن الشعور بفعالية الذات وزيادة الدافعية والكفاءة في التعامل مع التحديات المختلفة ، يدفع الأفراد المتدينون إلى التعبد والدعاء عند مواجهتهم التحديات بصورة أكبر. وقد أسفرت نتائج التحليل العاملي لدراسة شملت ثلاث عينات من طلاب الجامعة والموظفين والمتقاعدين  في دولة الكويت ،  عن وجود نمط عام ثنائي القطب في الشخصية -  ه وعامل التد ين والفعالية في مقابل القلق-  وهذا النمط يقوى ويتطور وفقاً للزيادة في العمر، ويساهم في رفع  قدرة الأفراد على مواجهة التحديات بصورة أعلى جوهرياً من الأفراد الأقل تديناً،  واستخدام أستراتيجيات أكثر نجاحاً في التعامل مع مشكلاتهم )10(. 

ثانياً: نموذج إصدار الس لوك وفقاَ لحقائق النظرية المعرفية في علم النفس ، ونموذج التوقع

في تفسير مستوى الدافعية    

   وتتضمن حقائق النظرية المعرفية في  تشكيل وإصدار السلوك ثلاثة أبعاد تفاعلية، بمعنى أن كل من هذه الأبعاد تؤثر وتتأثر بالبعدين الآخرين، والدعاء بوصفه سلوك فهو يتضمن هذه الأبعاد الثلاثة  وهم  )أ(  البعد المعرفي:  ويعد البعد الأساسي  لتشكيل وتوجيه وإصدارالسلوك  ،ويتضمن  كل جوانب المعرفة لدى الفرد من  الحقائق والعقائد  والمبادئ  والتقييم والاختيار والإرادة والتخطيط ، بالإضافة إلى القدرات من مثل انتباه وتركيز والتحكم وغيرهم. )ب ( البعد الوجداني: وهو النمط المستقر من انفعالاتنا، وأسلوبنا في اختيار ردود أفعالنا، ويتضمن جوانب الراحة والسرور  والتفضيل لدينا بالإضافة إلى جوانب الخوف والقلق والحزن والغضب والندم وغيرهم، ويعد هذا المكون المحفز للمكون المعرفي، ويش ه به  بالوقود الذي يزود البعد المعرفي  بالطاقة فيؤدي إلى  التكرار  والمثابرة والاستمرار في إصدار السلوك. )ج( البعد السلوكي ويتضمن ترجمة الفكر إلى واقع وتطبيقات وسلوكيات ظاهرية ،  ويتضمن تشكيل عادات جديدة  وإصدار السلوك وتكراره، وتعديله. 

    كما  يفسر  نموذج التوقع  مستوى  الدافعية لدينا نتيجة للتقييم والموازنة التي نقيم بها اختياراتنا للسلوك ويطلق عليها )التوقع(. ويتم حساب التوقع لدينا ومدى رغبتنا في الأشياء، من الموازنة ما بين 1-  الجهد اللازم والذي يعد وسيلتنا للحصول على الأشياء، 2- المكافأة التي نحصل عليها نتيجة لأداءنا ذلك الجهد.  وكلما قل الجهد اللازم مقارنة بالمكافأة التي نحصل عليها، فإننا نشعر  بارتفاع مستوى الدافعية وزيادة الرغبة لأداء السلوك، كما أن توقع الثواب يجعلنا أكثر صبرا وتحكما في اندفاعاتنا وسلوكياتنا. وفي التدين بشكل عام  والدعاء على سبيل المثال عند ما نقارن الجهد المبذول في مقابل المكافأة التي يوعدنا الله بها فإننا نشعر بالرغبة وبارتفاع مستوى الدافعية، وكلما ذكرنا أنفسنا بالمكونات المعرفية والوجدانية عن طريق تكرار الدعاء فإننا نعمل ترسيخ العقيدة  واستمرار المشاعر الايجابية المرتبطة بالدعاء،   مما يشكل أسس  سلوكنا في الالتزام  بجميع المبادئ التي تحث عليها الأدعية   الواردة عن الرسول الأكرم وعترته الطاهرة، والتي تصوغ شخصية الشيعي الموالي. 

منهج التطبيق العملي التربوي في دعاء الندبة 

       الدعاء يتكون من قسمين، القسم الأول  يبدأ بتعزيز الجانب المعرفي العقائدي فيحثنا على الإخلاص في العبادة من خلال  تذك يرنا  بفضائل الأنبياء عليهم السلام  والاقتداء بهم ،  وأن  تسليمهم لأمر الله وزهدهم في الدنيا وحبهم في  القرب من الله واجتهادهم في العبادة ،هيأهم للاصطفاء من قبل الله تعالى،    وقد  أيدهم بالمعجزات والرسالة والمنهج والشريعة والوحي ليكونوا للناس هداة. وأن نبينا هوأفضل الأنبياء قاطبة )صفوة من اصطفيته وأفضل من اجتبيته(، أيده الله بالنصر ووعده بأن يظهر دينه على الد ين كله ولو كره المشركون. 

وهذا الجانب العقائدي يعبئ نفوسنا ويهيئها لاتباع النور الذي مشكاته رسول  الله.  وإقران العترة الطاهرة في هذا السراج المنير ليكونوا أوصياء لرسول الله ) ص( ،   وقد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وخصهم بمنهجه وعلمه وحكمته.  وأن اتباعهم صلوات الله عليهم، حجة علينا في الشرع والتكليف .

     أما القسم الثاني فإنه يركز في تعزيز الجانب الوجداني في  تأجيج  حبهم ومودتهم ،  والتعاطف معهم لما قاسوه من الظلم والتنكيل، والشعور بالأسى الممزوج بالغضب لما وقع عليهم والبكاء على ذلك. والشكوى لمولانا صاحب العصر،   والشوق لقيام دولته وقيادته وحكمه وتطبيق منهجه ونصرته، والدعاء له والطلب من الله بأن يجعلنا من شيعته، راغبين  في تحقيق وعد رسول الله لشيعته منابر من نور مبيضة وجووههم حوله في الجنة .

    وبهذين الركنين نجد بأن دعاء الندبة منهج  تربوي عملي  متكامل لتوجيه السلوك الولائي  واستمرارية مذهب آل البيت ومنهجهم.  والمواظبة على قراءته -لاسيما في جمع من الموالين-  يزيد من التمسك بخط آل البيت عليهم السلام، ويقربنا من غايتنا ومنانا في أن يأذن الله بظهور صاحب العصر وأن يجعلنا من أعوانه وأنصاره .

   أقول يابن الحسن )بنفسي أنت من مغيب لم يخلو منا(، مولاي أنت حاضر معنا وتشاركنا همومنا وتسمع دعاءنا، متى يتصل يومنا بيومك ، )متى نرد مناهلك الروية فنروى (  ) متى ننتفع من عذب ماءك فقد طال الصدى( متى ننتفع من علمك ومنهجك والعيش تحت لواءك، )عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترى، ولا أسمع لك حسيسا ولا نجوى ( مولاي يابن الحسن ،  نشتاق لأحباءنا فنلتقي بهم، يعز علينا أن نولد ونكبر ولا نسمع حبيبنا ولا نراه. 

السلام عليكم يا أهل بيت النبوة وساسة العباد وأركان البلاد وصفوة المرسلين وعترة  خيرة رب العالمين ورحمة الله وبركاته .

  

 

المراجع وفقاً لسياق البحث

1-     فيلدمان، روبرت) 2010(. أسس فهم علم النفس، )ط 10(.  الكويت: مكتبة الطالب، جامعة الكويت .

2-     الردعان، دلال) 2018(. المختصر في الصحة النفسية، المفهوم النظرية، الاضطرابات. الكويت: مكتبة الدار الأكاديم ية 

3-     العلامة المجلسي، محمد باقر)1111 هـ(. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار)ج 90، ص 361(. بيروت: مؤسسة الوفاء.

4-     صدر الدين، محمد بن ابراهيم) القرن 10 هـ( .مجموعة الرسائل التسعة )ج 1،

  https://ar.lib.eshia.ir/71483/1/207. )207ص 206 و 

5-     الطاهر، حسين محمد ) 2001(. علم النفس في رحاب النبوة وآل البيت .قم:

الناشر نور وحي .  

6-     Beaty, R. E. & Jung, R. E. (2018). Interacting brain networks underlying creative cognition and artistic performance, In: the Oxford Handbook of Spontaneous Thoughts: Mind-Wandering, Creativity, and Dreaming,

(eds): K. C. R. Fox and K. Christoff (PP. 275-283). New

York, NY: Oxford University Press.

7-     الكليني، محمد بن اسحق) 329 هـ( .الكافي )ج 2 ص473(.

 https://www.islam4u.com/ar/maktabah

8-     الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام )القرن 1 هـ( طبعة حديثة ) 1989(.

الصحيفة السجادية )ط2(، ص 86. الكويت: مكتبة الألفين.  

9-     الحميري القمي )القرن 3 هـ( .قرب الإسناد )ص 45(. المكتبة الشيعية:

 http://shiaonlinelibrary.com

10-     الأنصاري، هيفاء وعبد الخالق، أحمد محمد) 2012(. التدين وعلاقته بفعالية الذات والقلق لدى ثلاث عينات كويتية. دراسات نفسية، مج 22  ، ع  1، ص ص 149-

  .180