الملتقى الثقافي الشعباني التاسع  

تحت شعار "أيْنَ المُؤَملُ لإِحْياءِ الكِتابِ وَحُدُودِهِ " 

 

 

هل يسقط التكليف الشرعي مع الانتظار ؟ 

د. منى الصغيّر

 

" الَلـّهُّم ارِنيِ الطلْعةَ الرشيدةَ، وَالْغ َّ رُةَ الْحَميدةَ، وَاكْحُلْ ناظِري بنِظْرَة منِيّ اِليْهِ، وَعَجِّلْ فرَجَهُ وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ، وَاوْسِعْ مَنْهَجَهُ وَاسْلكْ بي مَحَ َّ جتهَ ُ  

  -       ماذا يعني أن نكون في زمن الإنتظار والغيبة؟ 

-       هل ننتظر ظهور الإمام  عجل ﷲ فرجه الشريف حنى نقوم بالتكاليف الشرعية؟ 

-       وماذا عن هذه التكاليف التي تمت بإتمام الدين بخطبة رسول ﷲ صل ﷲ عليه وآله وسلم يوم الغدير؟ أي تمام تشريعها ومعرفتها ووجوب العمل  فيها في كل زمان ومكان. 

-       هل يمكن أن يقبل العقل بأن بعض التكاليف الشرعية فرضت للعمل  بها فقط لمدة 342 عام تقريبا؟ً 

-       هناك من يقول بسقوط بعض التكاليف الشرعية حال الإنتظار (كالوقوف بوجه سلطان جائر أو قيام صلاة الجمعة) وهي أدعاءات بأحاديث ضعيفة السند وجوبهت بالرفض من غالبية علماء المذهببالتحقيق والمنطق العقلي. 

نحن نقف أمام مشهد متصل ومتنامي من الاستكبار العالمي والفساد والحروب والدمار البشري والبيئيوتدمير الأرض واستنزاف مواردها الطبيعية المختلفة مما أصبغ سمة الظلم والفقر والعوز والمجاعاتوالأمراض والأوبئة  على غالبية الأقوام والمجتمعات البشرية،  متصل من بدء خلق الإنسان ومتناميحتى مع كل العلوم والتطور والحداثة في العصر الحديث الذي نشهده وكأن الإنسان خلق ليدمر الأرض.  ولكن في المقابل اسبغ ﷲ عز وجل رحمته الواسعة المتمثلة بالأنبياء والمرسلين والأوصياء والصالحينوالكتب والشرائع السماوية ،  بعثها لهذا الأنسان العاقل  المعزز بمقدراته الحسية العقلية الجسدية المتكاملةليعمر الأرض ويملأها بالحكم العادل والإيمان والأخلاق والعلم والمعرفة.  

لذلك نجد أنه على مر تاريخ الإنسان تواجدت أقوام صالحة ، وكان هناك دائما الصالحين الساعين لأمر ﷲ في إعمار الأرض بعبودية ﷲ الخالصة وتحقي ق وجود حكم إلهي عادل من خلال دولة خاتم الأنبياءوالمرسلين المصطفى محمد صل ﷲ عليه وآله وسلم، وتممت من خلال الجماعات الصالحة الملتفة حول إمامزمانها من الأئمة الطاهرين عليهم السلام، وخلالها استمر العمل بالتكاليف الشرعية بصورة أوبأخرى وفقما تقتضيه الظروف والمصلحة.  

في زمن الغيبة الصغرى، استمر العمل بكافة التكاليف الشرعية بالتواصل الغير مباشر مع الإمام الحجة

ع جل ﷲ فرجه الشريف  عبر سفرائه، والتي   أيضاً  عمل بها  منذ بدء زمن الغيبة الكبرى من خلال تعاليموافتاءات العلماء (نواب الإمام)،  إذن لابد من إلتزام كافة التكاليف الشرعية حتى يعبد ﷲ  عز وجل  في أرضه  و حتى يرثها عباد ﷲ  الصالحين بقيام دولة العدل الإلهي ويكون هناك من هو مستحق ليكون مواطناً في هذه الدولة. 

يقول العلامة المظفر: "ليس معنى إنتظار هذا المصلح المنقذ المهدي أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والأخذ بأحكامه، والأمربالمعروف والنهي عن المنكر، بل المسلم أبداً مكلفّ بالعمل بما أنزل من الأحكام الشرعية، وواجب عليهالسعي لمعرفتها على وجهها الصحيح  بالطرق الموصلة إليها حقيقة،  وواجب أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ما تمكن من ذلك وبلغت إليه قدرته كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فلا يجوز له التأخرعن واجباته بمجرّد الإنتظار للمصلح المهدي، والمبشر الهادي، فإنّ هذا لا يسقط تكليفاً، ولا يؤجّل عملاً،ولا يجعل الناس كالسوائم." 

الواجب الذي لا جدال فيه وبالأدلة الشرعية والأحاديث المروية الإلتزام التام بالتكاليف الشرعية  العباديةوالمعاملاتية والأخلاقية  جميعها  وفق  إرشاد الفقهاء الجامعين للشرائط،  بل وبأشد الإلتزام لمواجهةتحديات زمن ما قبل الظهور. 

في الواقع –  في زمن ما قبل الظهور- والذي يزداد فيها الظلم والفساد والإبتعاد عن الدين وعبادة ﷲ عز وجل أكثر وأكثر (مثل ما عرفنا بتسلسل الأحداث التاريخية وما نراه  بأنفسنا بالمشهد الحاضر)، أي مع زيادة سطوة الشيطان وأعوانه على الناس، نحن بحاجة إلى أداء كافة التكاليف الشرعية بما يتناسب معهذه التحديات الإيمانية والأخلاقية، ليس فقط بأداءها طاعة  وتسليما ً له عز وجل، بل بأداءها على أفضلوجه  وبوعي كامل  بكل أبعادها  الجوهرية والروحية والمعنوية وتحقيق أهدافها الرسالية  والإيمانية، وتعزيز ذلك بأداء المستحبات وتجنب المكروهات حتى نصل  إلى أعلى مراتب الإيمان والكمالات ونكون

في منزلة المؤمنين المتيقنيين المنتظرين والمهيئين لنصرة الحجة ابن الحسن  عجل ﷲ فرجه الشريف، قال النبيصلى ﷲ عليه  وآله وسلم لعلي عليه السلام: "يا علي واعلم أن أعجب الناس إيماناً وأعظمهم  يقينا، قوم يكونون فيآخر الزمان، لم يلحقوا النبي ، وحجب عنهم الحجة ، فآمنوا بسواد على  بياض" . 

 ولابد أن نسلك مسالك متعددة تعيننا في الوصول إلى حالة وعي الإنتظار  ومنها:  

1-    تجديد العقيدة لتتناسب مع نضوج العقل الإنساني مع تقدم العمر وتطور الإدراك العقلي والفكري والعلمي والمعرفي، حتى ننال حسن العاقبة "اللهم ارزقنا حسن العاقبة" والثبات على الدين "ياﷲ يا رحمن يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، وعدم اتباع الدعوات الباطلة المتزايدة، ولهذايجب أن  نتوسع في دراسة وفهم  وتدبر القرآن الكريم والحديث الشريف وإرث أهل البيت عليهم السلام من حديث وتفسير ودعاء وأحكام، ومناقشتها ومقاربتها مع ما يختلج في عقولنا وقلوبنا منتساؤلات وشكوك.

2-    معرفة ﷲ عز وجل ومعرفة الرسول صل ﷲ عليه وآله وسلم ومعرفة الإئمة الأطهار عليهم السلام، تاريخهم وأحداث عصرهم وأدوارهم وموقعهم في عقيدتنا وأسباب ومعطيات حبهم في قلوبنا، ومنها معرفة

الحجة بن الحسن  عجل ﷲ      فرجه الشريف، ولنعمل بالدعاء المروي عن الإمام الصادق علي ه السلام: "اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفنيرسولك لم أعرف حجتك،  اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني".

3-    معرفة الإمام المنتظر  عجل ﷲ  فرجه الشريف من خلال: 

-        معرفة تاريخ  مولده و نشأت ه وإمامته  وصفاته  ودوره  في تكامل   أدوار الإئمة  عليهم  السلام وخصوصية وأهداف غيبته الصغرى والكبرى.

-        معرفة خصوصية حياته  المغيبة عنا التي اختصه ﷲ  عز  وجل بها من دون الرسل والأوصياء،وبأن نرجع بها تاريخياً إلى المصائب التي وقعت على أئمتنا الأطهار وأهل بيت النبوة (عليهم السلام) في التصدي لإقصاء وتقويض الدين المحمدي الأصيل، مما قدر له الغيبة عن أعين الأعداء للحفاظ على حياته  فلا تخلو الأرض من وصي وحتى يحفظ الدين الإسلامي المحمدي الأصيل من الإنحرافات  والبدع والتشويه.

-        معرفة حجم  المسئولية العالمية الملقاة على عاتق ه  الشريف  في وسط عوالم الظلم والفسادوالشرور والأديان الوضعية والأديان السماوية المحرفة وقوى وأقطاب ودول العالم بلغاتهاوسياساتها وثقافاتها،  ف حضوره عالمي لتحقيق عالمية الدين الإسلامي  وهو الدين الجامعلكل البشر ،  والأمل  بمستقبل أفضل وانفراج المصاعب  ونشر السلام والرخاء ،  فالقائم

                     المهدي عجل ﷲ فرجه الشريف هو المعني بكمال الإضطرار إلى ﷲ  عز  وجل.

فإن علمنا ذلك وتحقق لنا اليقين العقلي والقلبي بها، فإننا:

-        نغتم ونألم لفراقه   عجل ﷲ فرجه الشريف،   وابداء  الحسرة   لغيبته،   لإبتلائنا بغيبة ولينا وعدم التواصل المباشر مع إمام  عصرنا، مما يعقد كثير من شئون الحياة. 

-        إظهار المحبة والشوق لرؤيته والولاء والإحترام (القيام احتراماً عند ذكر إسمه)، وزيارته بإستمرار، وإهداء ثواب الأعمال الصالحة إليه   عليه السلام  أو الإنابة عنه  (كالحج والعمرةوزياة المراقد المشرفة وقراءة القرآن والصدقة وأخرى ).

-        انتظار الفرج ، فعن الإمام الجواد عليه السلام: "أفضل أعمال أمتنا انتظار الفرج" ، والدعاءالصادق لتعجيل ظهوره دائماً في كل حين ومكان، ولا يتحقق ذلك إلا بالإنتظار المسئول المتزامن مع أداء كافة التكاليف الشرعية عامة وتكاليف عصر الظهو ر خاصة المذكورة، فيكون المنتظِ ر مسئولا ً ويملك منهج بناء وفعال وحركة مؤثرة في اصلاح الذات واصلاح

المجتمع ويسعى لتهي أة الأرضيات الإجتماعية والثقافية لظهور الإمام عجل ﷲ فرجه الشريف .

-        الصبر على المصائب والمصاعب وعلى تكذيب وتشكيك وأذى ولوم أعدائه في زمن الغيبة،فعن سيد الشهداء عليه السلام أنه قال: "أما َّ إن  الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلةالمجاهد بالسيف بين يدي رسول ﷲ صل ﷲ عليه وآله وسلم"، والتصدي لمحاولات تشويه الإسلام  على مستوى الأفراد أو المجتمعات، والتمسك بالدين  الحق سائرين على نهج أئمة أهل البيت

عليهم السلام. 

-        الإستغاثة به عجل ﷲ فرجه الشريف مع اتساع رقعة الموالين في كل مكان وأصقاع العالم  مع كلالكوارث والحروب والابتلاءات والأوبئة والمجاعات التي يتعرضون لها، ومع ال تواصل

السلس  والمكثف  للموالين  من خلال  شبكات ومواقع التواصل الإجتماعي  الذي يجعل

الإستغاثة ب ه  جماعية   عالمية  وتحقيقاً لمبدأ  الاهتمام  بأمور  المسلمين،  وبها تتفق قلوبالمؤمنين مع  بعضها. 

-        العزم على نصرته ونصرة الدين ونصرة رسول ﷲ وأهل بيته عليهم السلام، وتمني ملاقاتهحين الظهور كمواليين مخلصين مؤمنيين متقيين عارفين  معافين من ضلالات آخر الزمان، وممتثلين لكافة التكاليفه الشرعية المفروضة، والتوسل  أن يجعلنا من أنصاره عجل ﷲ فرجه الشريف و تجديد العهد والبيعة له صبيحة كل يوم (دعاء العهد).

-        الدعوة  لنصرته  عجل ﷲ فرجه الشريف  وذكر فضائله ومناقبه وشرح قضيته  بكافة الوسائلالممكنة، فيكون ذلك هدفاً ثابتاً وأساسياً في  حياتنا، وليتعاهد المؤمنين جماعة لنصرته عليه

السلام.

-        التوبة النصوح عز وجل واجتناب المحرمات والإبتعاد عن الذنوب، وإن كانت واجبة فيكل زمان ولك ن تتأصل أهميتها في زمن الإنتظار حيث أن أحد أسباب غيبته عجل ﷲ فرجه الشريف وطولها هو ذنوبنا العظيمة والكثيرة ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم".

-        ترك الإستعجال وعدم  تعيين وقت لظهوره فلن  يظهر عجل ﷲ فرجه الشريف إلا بتوقيت إلهي،ونستغل ضيق الوقت لنهيء أنفسنا للظهور وتهيئة الأرض لظهوره، عن أبي عبدﷲ عليه السلام: "كذب الوقاتون، وهلك المستعجلون، ونجا  المُسلِ ّمون، وإلينا يصيرون". 

إننا أمام استحقاق الإنتظار المسئول لظهور صاحب العصر والزمان عجل ﷲ فرجه الشريف، بتوفير الأرضيةاللازمة من أجل تطور وسمو الفرد والمجتمع لبلوغ كمالهم الوجودي والسعادة الأخروية، وبناء المجتمعالمهدوي  الممهد لظهور الحج ة  بنت الحسن أرواحنا لمقدمه الفداء ،  وتأسيس حكومة إسلامية  ومجتمع

إسلامي خلال عصر الغيبة ممهدة لحكومة ومجتمع الإمام المهدي عجل ﷲ فرجه الشريف.   

والحمد   

 

المصادر: 

-        محمد الريشهري، موسوعة الإمام المهدي  عجل ﷲ تعالى  فرجه الشريف  في الكتاب والسنة والتاريخ، الجزء الرابع. 

-        محمد تقي الموسوي الأصفهاني، وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام، 2004، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية .

-        حسن موسى الصفار، الحضور في زمن الغيبة، 2004.