بسم الله الرحمن الرحيم

ثقافة التكليف الشرعي وعلاقته بمفهوم الانتظار"

" إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ " فاطر/24

إعداد وتقديم

د.خديجة عبد الهادي المحميد

لا يخلو زمان ولا مرحلة من مراحل الحياة البشرية على الأرض من نبي هادي أو رسول مرسل أو وصيّ رسول مرشد، ذلك أن المشروع الرباني في توجيه المجتمع البشري إلى كماله يمتد مع امتداد مراحل رشده وتطورها، فلا يخلو زمان ولا مرحلة من نبي أو رسول هادي " وإن من أمةٍ إلا خلا فيها نذير " سورة فاطر/ 24، عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف، المرسلون منهم مائة وثلاثة عشر نبيا، وسادات الأنبياء خمسة هم أولوا العزم منهم، وهم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليهم وآل محمد أجمعين، وكل واحد منهم صاحب شرع وكتاب. أولوا العزم من الرسل يرسلهم الله لكافة البشرية التي تسكن الأرض في زمانهم.

يبدأ المشروع الإلهي الاستراتيجي طويل المدى في هداية البشرية بنبي الله سبحانه أبينا آدم عليه السلام، وحتى وراثة الصالحين لأرضه وتحقيق الخلافة الربانية في تعميرها وإحياء العبودية الحقة للرب تبارك وتقدس، تلك التي تنجز العدل والإنصاف والسعادة للمجتمعات الإنسانية. " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ "الأنبياء/ 105.

 

إلى الآن لم تتحقق وراثة عباد الله الصالحين للمعمورة البشرية، وجميع الخلق من مختلف الطوائف والأديان ينتظر المخلّص ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملأت ظلما وجورا، الجميع ينتظر الوعد الإلهي بالفرج، وإن اختلفوا في من يكون مهديّ آخر الزمان، إذ كل فرقة تظن أنه منها، فاليهود يظنون أنه منهم، والنصارى تحسبه عيسى عليه السلام، ومدرسة الصحابة تعتقد أنه هاشمي حفيد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه يولد في زمانه.

 

أما مدرسة أهل البيت عليهم السلام فهي تؤمن أن الإمامة أصل أصيل من عقيدتها الإسلامية، فتعتقد الشيعة الإمامية أن الأمامة التي يكتمل بها مشروع كل نبي هي منصب إلهي لا بد من الرجوع فيه إلى الله الحكيم المدبّر سبحانه، إذ جعل لكل نبي من أولي العزم أثني عشر وصي، فالإمامة منصب إلهي يقوم على ركنين أساسيين: النص، والعلم الخاص الذي يتلقاه الإمام عليه السلام من مقام النبوة مباشرة أو من الإمام المعصوم الذي يسبقه، بالإضافة إلى ملكاته وخصائصه القيادية. 

ولقد تعين بالنص الشريف الإمام الأول أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام، ثم الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، ثم الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، ثم بقية الأئمة المعصومين عليه السلام ، حتى الثاني عشر منهم محمد بن الحسن العسكري عليه السلام الغائب المنتظر الذي ولد سنة 255 أو256 هجرية، وغاب عن الأمة غيبة صغرى تقارب 74 سنة أو 69 سنة، وبعدها بدأت الغيبة الكبرى الممتدة إلى يومنا هذا.

1.     هل يدخل ( الانتظار ) في دائرة التكليف الشرعي ؟

2.     كيف يتحقق الانتظار الموجب لتعجيل فرج الإنسانية المرتقب؟

محدوديات البحث [ التعاريف

انتظار الشيء في اللغة يعني: ترقّبه، وتوقّعه، والتأنّي عليه. (1)

والانتظار كمصطلح ارتبط في الذهن بتوقع الفرج بعد الشدة، وبشكل خاص ترقب فرج المهدي الموعود في آخر الزمان.

قال الإمام الصادق عليه السلام: " ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، ألم تسمعوا قوله تعالى: " فانتظروا إني معكم من المنتظرين " – الأعراف/ 71- فاصبروا فسيأتي الفرج بعد الشدة، وإنّ من كان قبلكم كانوا أصبرَ منكم ". (2) 

القسم الأول 

الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام

دور الإمام المهدي عليه السلام في حياة الأمة

حديث الثقلين الوارد عن الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم متواتر في معناه، وإلى جوار تواتر معناه فقد ورد في أغلب الروايات بهذه الألفاظ: " إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا " (3).

وكما بين حديث الثقلين وغيرها من الأحاديث الكثيرة والمتواتره، أن الإمامة هي المرجعية في الإسلام، وأن الأئمة هم الخبراء المتخصصون بالقرآن.

يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، مخاطبا كميل بن زياد في علم الأئمة عليهم السلام: " هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون " (4).

وفي الخطبة الثانية من نهج البلاغة يقول أمير المؤمنين عليه السلام في أهل البيت عليهم السلام: " هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَلَجَأُ أَمْرِهِ وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ وَمَوْئِلُ حُكْمِهِ وَكُهُوفُ كُتُبِهِ وَجِبَالُ دِينِهِ بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ .... لَا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ وَلَا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَعِمَادُ الْيَقِينِ إِلَيْهِمْ يَفِي‏ءُ الْغَالِي وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ وَفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوِرَاثَةُ " (5)

الإمام محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام هو إمام زماننا ومرجع الأمة وقائدها المنصوص عليه من الله تبارك وتقدس، والواجب على الأمة الرجوع إليه وطاعته.

ثقافة التكليف الشرعي بطاعة الحجة بن الحسن عليه السلام في غيبته

في غيبة ولي العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف التي تزيد عن 1180 سنة هجرية كيف يتحقق تحصيل التكليف الشرعي بطاعته والالتزام بقيادته للأمة عليه السلام؟

لقد أُجيب على هذا السؤال بأحاديث شريفة عديدة كان بها توجيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة الأطهار عليهم السلام للأمة في زمن الغيبة، أورد منها مايلي:

عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الفقهاء أمناء الرسل مالم يدخلوا في الدنيا. قيل يارسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم" (6) . الأمانة المقصودة في الحديث النبوي لاتقتصر على النقل عن الرسل، وإنما تشمل أيضا أهم ما كُلّف به الأنبياء وهو إقامة النظام العادل في المجتمع وتنفيذ الأحكام الشرعية، " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ " الحديد/ 25.

والفقهاء الذين يُؤتمنون من قبل الرسل يُشترط فيهم ألا يدخلوا في الدنيا، لأن الفقيه إذا كان همه أن يجمع الحطام لن تتوفر فيه ملكة العداله، فالفقهاء العدول هم وحدهم المؤهلون ليكونوا أمناء الرسل في تنفيذ أحكام الإسلام وإقرار نظمه، وإقامة حدود الله، وحراسة ثغور المسلمين. (7)

وعن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (ع): " أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك... إلى أن قال:وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله، وأما محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي ". (8)

في هذا التوقيع الصادر عن الإمام المهدي عليه السلام للسائل الذي تعذّر عليه الرجوع إليه في غيبته الصغرى إقرار وإرجاع المكلفين إلى الفقهاء العدول الجامعين للشرائط ليأخذوا الحكم والموقف الشرعي في المشكلات الاجتماعية المعاصرة والحوادث المستجدة

وهي القاعدة الجارية في غيبة الإمام الحجة عليه السلام حتى ظهوره المبارك، فالفقهاء اليوم هم الحجة على الناس، وكل ما كان يُناط بالنبي صلى الله عليه وآله فقد أناطه الأئمة بالفقهاء العدول من بعدهم. (9)

 القسم الثاني 

الانتظار

شاء الله سبحانه أن تُقتطف ثمار جهود الأنبياء والرسل والأوصياء وتضحياتهم الكبيرة عبر مسار الهداية والتبليغ على يد الإمام الحجة محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، ليقيم دولة العدل الإلهي لينعم بها جميع البشر في آخر الزمان. هذه الرؤية الربانية العظيمه تستلزم قاعدة بشرية ومجتمعات تستوعب أهداف الحكومة الإلهية ورسالتها وتؤمن بها وتدافع عنها وتضحي في سبيلها، وهو مالم يكن متوفرا في زمن مولد المهدي عليه السلام، فغيبه الله عن الناس، زمنا طويلا حتى يكتمل رشد الأفراد والمجتمعات بخوض الكثير من الابتلاءات والتجارب التي تصقل وعيها ورشدها الفكري والسياسي والاجتماعي، وتفتح مداركها على حاجاتها الواقعية في إقامة العدل الإلهي، ما يجعلها مستجيبة لأهداف الحكومة الربانية بشكل طوعي وقناعات مستحكمة ومستبصره تدفعها للنصرة والدفاع الحكومة الربانيه.

فمد الله في عمر ولي العصر والزمان عليه السلام، كما كان عمر نبي الله نوح يزيد على الألف عام، وعمر العبد الصالح لقمان الحكيم كان 3500 عام.

حقيقة الانتظار في دائرة التكليف الشرعي

حيث أن حكمة الانتظار تتلخص في انتظار نمو الرشد الإنساني أفرادا ومجتمعات بشكل يؤهل النسيج البشري فكريا واجتماعيا وسياسيا لاحتضان أهداف الإمام المهدي ودولته وتبنيها، فإن ذلك يتطلب جهدا بشريا كبيرا وحكيما ودؤوبا في التنمية على جميع مستويات الحياة وآفاقها بمنهجية الأحكام الإلهية المستبصرة لحاجات الحياة المتطورة، ومستجدات المكان والزمان. وذلك لا يُحرز إلا بقيادة المرجعية الرشيدة التي تنير الطريق للسائرين في درب الكرامة وطلاب الحرية من الأغلال والاستعباد، وبرجوع الناس إليهم فهم المبلغون لعلوم الحجة عليه السلام، وهم الأمان من فوضى التنظيرات التائهة عن الحقائق الربانية.

-         نخرج عن أفق التعطيل للواجبات الشرعية: في بناء الذات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع عن حرمات الله سبحانه، والتسلح بالعلوم النافعه وتطويرها والجهاد في سبيل الله سبحانه، والمسارعة في أداء الفرائض الشرعية، وتجنب المحرمات.

 

-         وتنفتح أفهامنا على أن الإمام الغائب عليه السلام هو الذي ينتظر تحركنا وعملنا وجهادنا الصادق لتحقيق أسباب الفرج، وبغير ذلك لن تتوفر الأسباب الطبيعية لإقامة حكومة العدل الإلهي والتي من أبرزها وجود الأنصار الواعين لأهدافها والمضحين في سبيلها بكل غال ونفيس.

القسم الثالث : تكليفنا في زمن الانتظار 

الانتظار وعلامات الظهور

كثرت الروايات والأحاديث الشريفة في علامات ظهور الحجة بن الحسن عليه السلام، العلامات القريبة والعلامات البعيدة. ذكر علامات الظهور يحيي الأمل بفرج الله سبحانه في قلوب المستضعفين والمظلومين، كي لا يستجيبوا لليأس ويستسلموا للقنوط. إلا أنه وجدت أنماط من التعامل الخاطيء تجاهها بالشكل الذي أثمر عند الكثيريين التوقف عن تهيئة أسباب الفرج، نذكر منها ما يلي:

1.    التعامل المستسلم لأحداث تذكرها روايات في علامات الظهور، فيأخذ المكلف منها موقف الخاضع لأمور يراها حتمية كالقضاء المبرم الذي لا مرد له، فيعطل دوره في الدفاع عن حرمات الله والجهاد في سبيل الله سبحانهن ويعيش حالة الإحباط واليأس. ( كالموقف من داعش في سوريا والعراق، واعتبار المتتبع أنها تمثل ظاهرة السفياني، وأنها قدر حتمي لا يستدعي المجاهدة والدفاع )

 

2.    شعور البعض ببراءة الذمة أمام انتشار الفساد والظلم لأنه يراه في وعيه من الأسباب الرئيسة لظهور الفرج الإلهي، غافلا عن دوره وواجبه تجاه تهيئة الأسباب الإيجابية التي تعجل الظهور والخلاص، وداعيا لتأجيل المشروع السياسي لحدث الظهور.

3.     ونتيجة لما سبق لم يعد الإمام المهدي عليه السلام في وجدان الكثيرين منا هو ذلك الإمام الحاضر والناظر، والذي يعيش من أجل قضية كبرى سامية، ويعمل ويضحّي في سبيلها، ويدعونا إلى السعي والجهاد من أجل تعجيل فرج الإنسانية.

4.    وبالتالي أصبحنا لا نشعر معه صلوات الله عليه وآله كما يشعر هو معنا، ولم نعد نحمل هُمومه كما يحمل هو هُمومنا. لم نعد نرقب حركتنا معه لنواكبه كما يرقب هو حركتنا، وللأسف صرنا لا نتوقع من رحمته وحنانه المحمدي العلوي الفاطمي الأصيل، ولم نسع ليتوقع منا أي عمل إيجابي تجاه القضية الكبرى التي يعيشها من أجلنا، قضية الإسلام والإنسان، تلك التي يجاهد ويعاني في سبيلها والتي تمس وجودنا ومصيرنا في الصميم.

5.    مثل هذا التعامل منا مع الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف قد ترك آثاره السلبية، والخطيرة على شخصياتنا وأرواحنا وحياتنا التي نعيشها لأنه يمثل انفصالاً حقيقياً عن القيادة القائد.

6.    وبالنتيجة يضع انفصالنا عن القائد المعصوم المصاعب في طريق تحصيل أهدافه المقدسة، ويؤخر عنده عنصر المبادرة في معالجة الأحداث، ومواجهة التحديات المستحقة، أي أصبحنا نحن المعطلون للفرج الإلهي، وأمامنا ولي العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء هو المنتظر لقرارنا وعزمنا وخطواتنا الصادقة في رفع هذا التعطيل.

كيف نتعامل مع علامات الظهور

الأحاديث الشريفة التي تتكلم عن علامات الظهور للإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف، تشير إلى أمور غيبية تحدث في المستقبل، وهي جميعاً التي لم يصح سندها وحتى صحيحة السند إنما تتحدث عن أمور ليست بأجمعها حتمية الوقوع، فقد لا يقع بعض منها، وهذا البعض لا يمكن أن نحدده بالدقة.

فالإمام عليه السلام أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إنما يتحدث ويخبر عن تحقق المقتضي لوجود ظاهرة، أو حدث مّا وفق ما هو مخزون في علم الغيب. بحيث لو سارت الأحداث على طبيعتها لتحقق ذلك المقتضي. وهو عليه السلام لم يخبر عن شرائط تأثير تلك المقتضيات هل سوف توجد أم لا؟ كما أنه لم يخبر عن الموانع التي قد تعرض للمقتضي، وتمنعه من التأثير. فإذا تحقق شيء مما أخبر عنه عليه السلام، فإن ذلك يكشف عن تحقق شرائطه، وفقد موانعه، وتمامية عناصر علته، وإذا لم يتحقق، فإن ذلك يكشف عن عروض مانع، أو فقد شرط تأثير ذلك المقتضي. (10)

لقد تصدى المحقق العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي في دراسة له عن علامات الظهور لوضع ضابطة علمية دقيقة للتعامل مع الروايات التي تتحدث عن هذه العلامات، وركز فيها على العلامات المحتومة للظهور كالصيحة والسفياني والخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية، وخلاصة هذه الضابطة أن البداء يقع حتى في العلامات المحتومة، " يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " الرعد/ 39.

ووضح ذلك بقوله عن هذا النوع من العلامات:  " ما يكون الإخبار فيه عن تحقق العلة التامة، بجميع أجزائها وشرائطها، وفقد الموانع، بحيث يصبح وجود المعلول ـ الحدث ـ أمراً حتمياً، لا يغيّره سوى تدخّل الإرادة الإلهية. وذلك.. لأن تمامية العلة، لا يلغي قدرة الله سبحانه، وحاكميته المطلقة، ولا حقه في التدخل " (11)

والخلاصة في التعامل الصحيح مع الروايات التي تتحدث عن علامات ظهور مولانا الحجة بن الحسن عليه السلام، أنها تذكرنا بتكليفنا لنسعى بقلوب يملأها الأمل أن نكون رقما إيجابيا فعالا كأفراد وجماعات لتتكامل جهودنا في تهيئة أسباب الفرج الإلهي وتعجيله متجاوزا التوقف عند العلامات، ولا يتحصل ذلك إلا بلزوم التقوى وأداء الفرائض والجهاد في سبيل الله من خلال تشخيص واقعي وشرعي دقيق بقيادة المرجعية الرشيدة، ونظم الأمر وتوحيد الصف في طاعة الله والدفاع عن بيضة الدين ( وكمثال على ذلك المسار الصحيح: نموذج المقاومة الإسلامية في مقاومة المشروع الاستبدادي الصهيوني والعالمي )، وفي ذلك إشارة مؤثرة من مولانا الهدي عليه السلام في قوله:

" لو أنّ أشياعَنا - وفَّقهم الله لطاعته - على اجتماعٍ من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخّر عنهم اليُمنُ بلقائِنا ، ولتعَجّلَت لهمُ السعادة بمشاهدتنا ". (12)

التوصيات

1)   وعد الله سبحانه بانتصار الحق على الباطل، ووراثة أرض الله لعباده الصالحين ستتحصل وفق الأسباب الطبيعية بتصدي أهل الحق لوظائفهم الطبيعية في عمران أنفسهم ومجتمعاتهم، وقيامهم بوظائفهم الشرعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله بكافة أنواعه.

2)   الشعور بالمسؤولية تجاه الإمام الغائب المعصوم، وطاعته بالالتفاف حول المراجع العدول الجامعين للشرائط، فهم حبل الرشاد الذي يوصل الأمة بإرادة الحجة الغائب عليه السلام.

3)   استشعار وجود مولانا الغائب وترقبه كما يترقبنا أرواحنا لتراب مقدمه الفداء. فعنه عليه السلام: " إنّا غيرُ مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم .. ولولا ذلك لنزل بكم اللاّواء ، واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جلّ جلاله..." (13)

4)   تعميق الارتباط به بمعرفته والإيمان به وتقديمه في الدعاء، وتجديد البيعة له، والصدقة عنه، وبذل المال فيما يحب من مراضي الله سبحانه، والحج عنه، وإهداء الباقيات الصالحات من الأعمال له.

5)   تقوى الله سبحانه، والتحلي بأخلاق محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، والالتزام بالفرائض والواجبات الشرعية.

6)   لنربط صلاتنا بصلاته، فنسارع إلى الصلاة في وقتها، لتزداد صلاتنا بهاءً ونورا، في أجواء عبادته وذكره، فنكبر معه ونركع مع ركوعه ونسجد مع سجوده فتمتلأ قلوبنا بأنوار دعائه التي يشرق الوجود بها تألقا وسناءً، ولنجعل الدعاء له في قلب قنوت الصلاة، ليرفع معها.

المراجع

1.  السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، الطبعة الأولى، 1417هـ - 1997م، مؤسسة الأعلمي، بيروت – لبنان.

2.    الدكتور صبحي صالح، نهج البلاغة، الطبعة الأولى، 1387هـ - 1967م، بيروت – لبنان.

3.  الشيخ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، الطبعة الثالثة، 1403هـ - 1983م، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان.

4.  الإمام السيد روح الله الخميني، الحكومة الإسلامية، 13 ذي القعدة – 1 ذي الحجة 1389هـ، الحركة الإسلامية في إيران.

5.  الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، الإمامة، ترجمة جواد علي كسار، الطبعة الثانية، رجب 1422هـ، مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر، بيروت – لبنان.

6.  السيد جعفر مرتضى العاملي، دراسة في علامات الظهور، الطبعة الأولى، 1411هـ المركز الإسلامي للدراسات، بيروت – لبنان.

 

7.    الشيخ إبراهيم الأميني، منقذ البشرية، الطبعة الأولى، 1413هـ - 1993م، دار الهادي، بيروت – لبنان.

8.  لويس معلوف، المنجد في اللغة والآداب والعلوم، الطبعة السابعة عشرة، 1966م، المطبعة الكاثوليكية، بيروت – لبنان.

9.  نورة أحمد لعروسي، الانتظار والتمهيد، المؤتمر الدولي للعقيدة المهدوية، www.mahdaviat-conference.com/vdcfi1d1aw6d0.ikw.html

10. موقع موعود  الإلكتروني www.mouood.org/arabic/item/8135-.html

الاقتباسات

(1)            لويس معلوف، المنجد في اللغة والآداب والعلوم، ص 817.

(2)            الشيخ إبراهيم الأميني، منقذ البشرية، ص 230.

(3)            الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، الإمامة، ص 251.

(4)            المرجع السابق، ص 255.

(5)            الدكتور صبحي صالح، نهج البلاغة، ص 47.

(6)            الإمام السيد روح الله الخميني، الحكومة الإسلامية، ص 67.

(7)            المرجع السابق، ص 69-70.

(8)            المرجع السابق، ص 77.

(9)            المرجع السابق، ص 77- 80.

(10)      السيد جعفر مرتضى العاملي، دراسة في علامات الظهور، ص 41.

(11)      المصدر السابق، ص 47-48.

(12)      الشيخ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج 53، ص 177.

(13)      المرجع السابق، ص 175.